التمويل السكني للأفراد يتراجع الى 2.5 مليار ريال    توحيد السجل التجاري للمنشآت    منح 30 شركة رخصا لمحاجر مواد البناء    ليب 2025 وصناعة المستقبل الصحي !    قراءة موضوعيّة للميزانية الفعلية للعام 2024    الجمعية التعاونية متعددة الأغراض بجازان تستضيف فريق صياغة الإستراتيجية بالجامعة لمناقشة أوجه التعاون المشترك    العالم يضبط إيقاعه على توقيت.. الدرعية    أهمية إنهاء القطيعة الأمريكية الروسية !    التعاون يتغلّب على الوكرة ويتأهل إلى ربع نهائي" أبطال آسيا 2″    «الانضباط» توقف سيماكان مدافع النصر مباراتين بسبب «السلوك المشين»    الاتفاق يواجه دهوك العراقي في نصف النهائي لدوري أبطال الخليج للأندية    ب 10 لاعبين... التعاون ينتفض ويهزم الوكرة ويتأهل لربع نهائي دوري أبطال آسيا 2    نادي فنون جازان يحتفي بالمشاركين في معرضي "إرث" و" في حياة الممارسين الصحيين"    قلم أخضر    جمعية«اتزان» تعقد اجتماعاً تحضيرياً لفعاليات يوم التأسيس بجازان    الهيئة العالمية للتبادل المعرفي تكرم رواد التربية والتعليم    إطلاق النقل الترددي في المدينة    «التخصصي» ينقذ ساقاً من البتر بعد استئصال ورم خبيث    ترمب: أوكرانيا مسؤولة عن الغزو الروسي    الرياض تكرّم الفائزين بجائزة «القلم الذهبي» للأدب الأكثر تأثيراً    اتصالات دبلوماسية لبنانية لتسريع انسحاب «إسرائيل»    «المركزي المصري» يحسم غداً أسعار الفائدة    استدامة العطاء بصندوق إحسان    محافظ الطائف يطَّلع على برامج وأنشطة يوم التأسيس بالمدارس    رئيس هيئة الأركان العامة يفتتح عددًا من المشاريع التطويرية للإدارة العامة للأسلحة والمدخرات    هل لا يزال السفر الجوي آمنا.. الأمريكيون يفقدون بعض الثقة    اكتمال وصول المنتخبات المشاركة في كأس الخليج للقدامي    السيسي يطالب المجتمع الدولي بتبني خطة إعادة إعمار غزة    أمير المدينة يلتقي أهالي محافظة وادي الفرع ومديري الإدارات الحكومية    فيلا الحجر تختتم أول برنامج للتبادل الجامعي في مجال الهندسة المعمارية بين المملكة وفرنسا    أمير القصيم يرعى الملتقى السنوي السادس للقيادات النسائية    16 مليار ريال مساهمة قطاع الإعلام في الناتج المحلي لعام 2024    على نفقة الملك.. تفطير أكثر من مليون صائم في 61 دولة    نيابة عن أمير منطقة الرياض.. نائب أمير المنطقة يرعى حفل الزواج الجماعي لجمعية "كفيف"    عبدالعزيز بن سعود يعقد جلسة مباحثات رسمية مع وزير الداخلية الأردني    محافظ سراة عبيدة يشهد احتفال التعليم بيوم التأسيس    أمانة الطائف تطلق مبادرة "دكاني أجمل" بسوق البلد    السعودية تجدد دعوتها لإصلاح مجلس الأمن ليكون أكثر عدالةً في تمثيل الواقع الحالي    محافظ صامطة يدشن الحملة الوطنية المحدودة للتطعيم ضد شلل الأطفال    مؤتمر بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية في مكة المكرمة    "فلكية جدة": بعد منتصف الليل.. قمر شعبان في تربيعه الأخير    جامعة أم القرى تطلق برنامجًا تأهيليًا لتهيئة المتطوعين في شهر رمضان    هطول أمطار رعدية وجريان السيول على عدة مناطق    ما أسهل «الوصل».. وما أصعب «الهلال»    أمير جازان يستقبل الفريق الاستشاري بمعهد الادارة العامة    ( 3-1) السعودية محط أنظار العالم    نقل تحيات القيادة الرشيدة للمشاركين في المؤتمر العالمي لسلامة الطرق.. وزير الداخلية: السعودية حريصة على تحسين السلامة المرورية بتدابير متقدمة    في ختام الجولة 22 من "يلو" .. نيوم يخشى توهج النجمة.. والطائي يطمع في نقاط أحد    "فضيلة مفوض الإفتاء بمنطقة حائل": يلقي محاضرة بعنوان"أثر القرآن الكريم في تحقيق الأمن والإيمان"    بتوجيه من سمو ولي العهد.. استضافة محادثات بين روسيا وأمريكا.. مملكة الأمن والسلام العالمي    دخول آليات وبيوت المتنقلة عبر رفح.. جولة جديدة لتبادل الأسرى بين الاحتلال وحماس    سماعات الرأس تزيد الاضطرابات العصبية    جامعة نورة ومعهد أبحاث الصحة يوقعان مذكرة تفاهم    سعود بن خالد الفيصل كفاءة القيادة وقامة الاخلاق    أمير الرياض يتسلم تقرير جامعة المجمعة.. ويُعزي السليم    طبية الملك سعود تختتم «المؤتمر الدولي السابع للأورام»    محافظ محايل يتفقد مشروع مستشفى الحياة الوطني بالمحافظة    ما أشد أنواع الألم البشري قسوة ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إشكاليات الحداثة وما بعدها
نشر في الوكاد يوم 05 - 03 - 2012

كان الإنسان يظن أنه إذا استحكم على البعد المادي، ودخل في عالم الصناعة والحداثة، وتحققت له أسباب الرفاه والعيش أن يقترب أكثر فأكثر من "السعادة والرفاه الإنساني"، فغيرت الحداثة أنماط الإنسان المادية، طبيعة عيشه، ثقافته وتصوراته، من خلالها وفي أثنائها تم هدم قيمه ودينه، دك الثابت، تنوع الأنماط الحضارية، لم يعد أي شيء له قيمة ماضية، كل المعاني محصورة في ذاتها، لم يكن ثمة رابط بين الدال والمدلول.
لقد اكتشف الإنسان الذي كان هو محور الكون ومرتكزه، والذي كان يعد نفسه سيد الحضارة والكون بعد أن دخل في عالم "المادية" أنه بدأ يتحول إلى أن يكون "شيئا" مثل الأشياء، فأصبح الإنسان الذي كان روحا ومعنى وقيمة إلى الإنسان/ المادي، الذي يتعامل معه بناء على جسده المنفصل عن أي قيمة روحية، إنه بدأ يخطو إلى المجهول، إلى حداثة لا حدود لها، وتقدم لا نهاية له، لقد فقد الإنسان في خضم هذا المعنى من الحياة، فهو كاللاهث المتعب من المكد في طريق لا يرى له نهاية، ولأن "المادية" فصلت الإنسان عن "الإيمان" الذي كان يحدد للإنسان الغائية من الحياة، والهدف منها، وأن هناك ترقيا للإنسان إلى مالا نهاية فهو أصبح يعتبر نفسه في طريق اللانهاية، حينها فقد المعنى، وتحول لمجرد ترس في ماكينة مادية تهوي به في وادٍ سحيق من العبثية والفوضوية في الحياة.
وإن كان هذا الأمر انعكس على الإنسان الفرد فهو كذلك انعكس على الفعل الحضاري المادي، فتوحشت الحضارة وأصبحت كالعطشان الذي يستطيع أن يكسر حدة عطشه، وقد أحدث هذا البعد المادي أن تحولت الحضارة إلى مفترسة لغيرها، ممتعة لذاتها حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين، ونهب ثرواتهم، والتحكم بمقدراتهم، وسفك دمائهم، لقد اكتشف الغربي أن الحضارة المادية والتقدم الصناعي والتكنولوجي أسهم في نشوب حربين عالميتين قضت على أكثر من سبعين مليونا من البشر وهم متقاربون في العرق والحضارة والديانة، فكيف ستصنع الحداثة إذن بمن هو مباعد عنهم جغرافيا وعرقا وديانة؟ إن الأمر تجلى بصورة بشعة في حركة الاستعمار الذي لا يزال الناس يعانون من مضاعفاته وآثاره بعد عشرات السنين.
إن تلك القيم التي بقيت للحضارة الحديثة انقلبت معادلتها بشكل عجيب، فبدلا من أن تكون محركا للضمير العالمي، وحاكمة على تصرفات الإنسان أصبحت هي الأخرى مركوبا لتحقيق الطموح المادي والاستعماري، وفرغت من معانيها الصحيحة السامية لتكون أداة بيد القوى، يوظفها حين تهب رياح مصالحه، ثم يقضي عليها ويحيدها حين تكون ضد مصالحه، وكلما ازداد الغرب بالفعل الاستهلاكي والإنتاجي للسلع والأدوات كلما حول الإنسان معه إلى أداة استهلاكية مادية خاوية.
إن هذه الحداثة الإشقائية لم تحقق الطموح الذي يريده البشر، بل كانت أداة لنزع معاني الإنسانية منه، لقد غيرت وجه الإنسان الذي يحاول خلق جنته في الأرض، وفردوسه القريب، ولذلك أتت ردة الفعل الما بعد الحداثوية لتنقض على السياق الفكري للعالم الحداثي بداية من أفلاطون وعالم المثل، ولأن الرؤية الحداثية والتفسير المادي العقلاني الغربي الحديث يرى أن العالم المادي يستطيع أن يفسر نفسه بنفسه دون الحاجة إلى مطلق متجاوز ينطلق من خلاله إلى فهم حركة الوجود، فإن حركة ما بعد الحداثة حاولت تفكيك الإنسان من خلال تفكيك كل مرجعياته والقضاء على كل قيمة دينية أو أخلاقية يركن إليها الإنسان بما في ذلك اللغة التواصلية، فإن كانت الحداثة قد جعلت الإطار البنيوي مكتفيا بذاته وقادراَ على التفسير الوجودي، فإن حركة ما بعد الحداثة خلخلت كل قيمة ثابتة، وقضت على المركزية سواء كانت فكرية أو مدنية، وبهذا غابت المرجعيات من حياة الإنسان، وجعلت القوة هي المنطلق الحاكم الذي يعبر عن الحقيقة فقط.
إن جزءا من انتشار الأفكار العدمية التي تنزع إلى البعد الإلحادي، وتقنين حالة العبثية في الكون يرجع إلى أفكار الحداثة وما بعدها، فإذا كانت حركة التاريخ الإنساني قد تشكلت من خلال الأديان والمعتقدات والقيم والعادات، فإن هذا يعني أن اكتشاف الإلحاد يعني نهاية التاريخ، ومن ثم نهاية القيمة الإنسانية والدخول في حالة عدمية، ووجود فوضوي لا يحمل أي قيمة، وهذه هي المحصلة النهاية التي سوف تودي بالإنسان إلى غياهب المجهول إذا لم يقرن حركة الحضارة بحركة الإيمان الذي يصحح له معنى الحياة، ويرسم للإنسان الطريق والغاية، الإيمان الذي يحقق الطمأنينة لمن يعيش في الصحراء أكثر من تحقيقه لمن يعيش في رفاهية المدن الفارهة الغارقة في جهالات الضلال والشك والإلحاد.
نقلا عن الوطن السعودية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.