الحياة العربية مستطيلة العروض.. سنوات تتجاوز السبعين.. وإذا أردتَ أن تتجاوز المئة عام بمئات أخرى دخولاً في عصور تمر بالعثمانيين ثم تواليات التردي العباسي ثم ثاني حاكم مرفوض الممارسات بعد الخلفاء الراشدين، فإنك سوف تتابع مختلف عروض الانحرافات والتسلط، وملكية إيرادات الدولة.. لعل من أبرز الطرائف أن تقرأ كتاباً بعنوان: «العيّارون والشطّار البغادِدة في التاريخ العباسي» للدكتور محمد أحمد عبدالمولى.. والعنوان قد يوهمك بما هو أقرب إلى فهم العنوان وهو عكس ذلك حيث الكتاب يسجل تاريخ نشوء قدرات جانبية تنافس الحاكم، وتتدخل في شؤونه دون أي تأهيل ثم تعاقبت كطبقات نزاع مع السلطة وكانت النهايات في معظمها تنتهي بالقتل.. فالعيّارون لا تعني أصحاب الممازحة وإنما أصحاب التحايل.. كتاب آخر عن الأوضاع الاجتماعية للرقيق، للأستاذ محمد مختار، سوف يذهلك فيه ذلك التنظيم من قبل المجتمع لكيفية عبودية إنسان آخر حتى ولو كان مسلماً، وكيف يوزع، بما فيه النساء، إلى مسؤوليات لا يليق أن تحدث في مجتمع مسلم، ومع هذا لم يورد المؤلف أي اعتراضات لمشايخ دين بقدر ما أورد وجود التنظيمات التي اعتبرت شرعية.. كتاب ثالث عن الجواري والغلمان ويوجد محتواه في أكثر من خمسين كتاباً بعيدة سلوكياتها عن الإسلام.. ورابع عن أنبياء بلا نبوة لعبدالقادر فياض ويسرد تاريخ ما يقارب سبعة وأربعين كاذب نبوة لكن في أوساط مجتمعات متدنية التخلف.. وعندما تواجه عنوان كتاب يحدثك عن الفتوات فلا تتصور أنه يعني ما يُعرف الآن بالفتوة لعنفه عندما يسعى نحو مكاسبه، حيث إن الكتاب يصلك بالبداية التاريخية التي أتى منها «الفتوات» بعد ضعف عصر المماليك وقيام مماليك فرعيين في مناطق متعددة بتلبس صفة القيادة مثلما كان يفعل قادتهم بالعاصمة.. الفتوات العرب خطوة تعريب لتلك المرحلة بعد بدايتها.. ومن غرائب السلوكيات ما يرد في كتاب «الجواري والغلمان» وبخصوصية جواري العصر العباسي، فإن الجميلة «عريب»، ومثلها آلاف، كان لهن حضور رسمي يتقارب وقاحة مع أوضاع الجواري المرغمات على عبوديات مخجلة.. لقد أتى الإسلام إلى العالم العربي بصيغ عدالة فريدة، واحترام لكل فئات المجتمع وفرض حقوقيات المرأة وكرامتها.. وكيف أتى؟.. أيضاً.. متى أتى؟.. كان العرب جاهلية محضة، وتوزعاً قبلياً صارخاً، ورصدت في حياة النبي سلوك مثاليات بعيدة تماماً عن مستويات الانحدار القائمة.. الذي حدث أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب أعطيا لوجود الدولة الإسلامية في ذلك التشتت البدوي وما هو قائم من استباحات.. أعطيا لها استمرارية نموذجية سلوك، وجماعية وجود أمة.. بعدهما بدأت الخلافات.. الحروب.. ثم أتى العصر الأموي بمشروعية «الجهاد» الذي هو في الواقع غزو غنائم؛ ورفضه عمر بن عبدالعزيز، ثم أتى العصر العباسي ببداية دموية ثم بتسلط أتباع الخليفة بعد عصر المعتصم.. أين الإسلام الحقيقي؟.. نقلا عن الرياض