توكل كرمان ليست علمانية ولا ليبرالية بل هي عضو بارز في جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، أي أنها (إخونجية) صميمة لذلك بإمكان المشككين في أي إنجاز عالمي تحققه امرأة عربية مسلمة أن يحتفلوا معنا بحصول هذه المناضلة العربية على جائزة نوبل للسلام وهم يضعون في بطونهم (بطيخة صيفي) من عدم وجود مشروع استعماري تغريبي أطلسي يقف وراءها، فحصول كرمان على الجائزة الأبرز في العالم لا يعد انتصارا تاريخيا لشباب الربيع العربي وحسب بل إنه يقدم صورة مشرقة للمرأة المسلمة التي يمكن أن تقود الجموع في اللحظات الصعبة بعد أن كاد المتعصبون والظلاميون أن يحبسوا صورتها في إطار (زوجة المسيار)! . وتوكل كرمان لم تولد في ستوكهولم ولم تترعرع في ضواحي لوس أنجلوس بل نشأت في مجتمع قبلي تسيطر القبيلة فيه على كل ذرات الأوكسجين في الهواء، فإلى اليمن تعود جذور الغالبية العظمى من القبائل العربية، وفي اليمن تتجاوز سطوة القبيلة سطوة القانون العام، ورغم ذلك فإن هذا المجتمع القبلي لم يجد بأسا في أن تتقدم هذه المرأة الشجاعة الصفوف وتقود المظاهرات والاعتصامات بل إن شباب الثورة اليمنية الذين تتغلغل في جيناتهم القوانين القبلية الصارمة منذ آلاف السنين لم يجدوا أي مشكلة قبلية في أن تتزعم (بلقيس الجديدة) ثورتهم الشبابية النبيلة. وتوكل كرمان صحفية حرة نزيهة لم تنطل عليها الحيل الذكورية العربية التي تحاول دائما حبس الصحفيات العربيات في صفحات الأزياء والطبخ فقد نذرت قلمها منذ البداية لمحاربة الفساد والدفاع عن حقوق الإنسان في بلدها بل إنها ذهبت إلى أبعد من ذلك حين تزعمت منظمة (صحافيون بلا قيود) للدفاع عن الحريات الصحفية، وهي اليوم تقدم لنا جميعا نموذجا حيا للأثر الإيجابي الذي يمكن أن يصنعه الصحفي العربي في مجتمعه متى ما تشبث بضميره المهني وابتعد عن حفلات التطبيل والتبجيل. صحيح أن العنوان الأبرز لفوز توكل كرمان هو تحية عالمية لقدرات الشباب العربي الذين غيروا مسار التاريخ وصنعوا الربيع الذي أبهر العالم أجمع، ولكن العنوان الآخر والذي لا يصح أن يبقى عنوانا فرعيا هو أنه أظهر القدرات العظيمة التي تمتلكها المرأة العربية المسلمة، فمشاركة المرأة العربية في صناعة ربيع الحرية كانت واضحة جدا في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، بل أنه لولا وجود الحرائر لما استطاع الأحرار أن يتغلبوا على المستحيل، فالحرية طائر عظيم لا يمكن أن يحلق بجناح واحد!. وأخيرا فوز كرمان يلفت انتباهنا إلى قضية مهمة وهي أن الصورة الذهنية الخاطئة عن اليمن السائدة في العالم العربي، حيث ننظر دائما إلى هذا البلد العظيم من زاوية تراجع التنمية وسيطرة القبائل على الكثير من مجالات الحياة، ولكننا نتجاهل دائما أن في اليمن مؤسسات مجتمع مدني وصحافة حرة وأحزابا سياسية نشطة قادرة دائما على حمايته من رياح التسلط والطغيان، اليمن بلد عصري بصورة تفوق أغلب الدول العربية ..إلا إذا فهمنا أن الانتماء إلى العصر يعني التسكع في المولات المكيفة وامتطاء السيارات الفارهة!. [email protected] نقلا عن عكاظ