من يقرأ ولو مقتطفات من الكتاب الذي وزعه إرهابي النرويج على 5 آلاف بريد إلكتروني قبل تنفيذ جريمته، والمكون من 1500 صفحة، سيصاب بالذهول من حجم التطرف، وتشابه الأفكار المنحرفة لمؤلفه مع مؤلفات «القاعدة» التحريضية. قراءة ملخص صفحات الحقد تلك ستصيب القارئ بالحزن والإحباط، حيث بمقدور فاشل، أو محبط، أن يشعل العالم. فإرهابي النرويج المسيحي وضع في كتابه خطة زمنية لطرد المسلمين من أوروبا بحلول عام 2083، رغم أنه إنسان لم يعرف عنه اهتمام بدين أو سياسة، بل قيل إنه حاول مرة التحدث مع فتاة فرفضت بينما تحدثت وقتها مع شاب من أصول باكستانية، مما زاد نقمته على المسلمين! ففي كتابه أيضا وضع الإرهابي المسيحي قائمة مطولة لأسماء شخصيات سياسية، وإعلامية، بريطانية يحرض على اغتيالهم لأنهم سمحوا بتحقيق فكرة التعددية ببريطانيا وأوروبا، وهذا تحريض مشابه لما فعله تنظيم القاعدة في السعودية من قبل. وهذا يعني أن العقلاء، من كل الديانات، باتوا اليوم في ورطة حقيقية. فمتطرفونا الإسلاميون، مثل «القاعدة» ومن لف لفها، ينادون بإخراج المشركين من جزيرة العرب، بينما المتطرفون المسيحيون في أوروبا ينادون بطرد المسلمين من أوروبا. وعليه فمن يحمي العقلاء من الطرفين، مسلمين ومسيحيين، طالما أن المتطرفين من كل جانب قد أعلنوا معركة الجنون باسم الدين؟ فهل على العالم اليوم تخصيص بقعة جغرافية خاصة بالمتطرفين من كل ملة ليجتمعوا فيها ويحلوا قضاياهم كيفما شاءوا؟ القضية ليست تندرا بقدر ما هي ورطة حقيقية إذا تقاعس العقلاء، من كل طرف، عن القيام بواجبهم للتصدي للفكر المتطرف. لذا، كان مهما ما قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز للعلماء المسلمين أول من أمس في جدة حيث ذكرهم بأن ما يصيب «العالم الإسلامي من خراب ودمار مع الأسف من أبنائنا.. من أبنائنا.. من أبنائنا»، وهذه هي الحقيقة بعينها. كما كان لافتا تصدي عمدة لندن للظاهرة، وفي مقال له في صحيفة «ديلي تيلغراف» البريطانية بعد جريمة النرويج الإرهابية مباشرة، حيث طالب بعدم الانشغال بتحليل أطروحات الإرهابي بل بمناقشة الأسباب التي أدت لظهور إرهابي باسم المسيحية في مجتمع مسالم كالنرويج. وها هو البعض بات يحذر من خطورة وقوع عمل إرهابي مشابه لما حدث في النرويج في أميركا نفسها، وبنفس المبررات التي ساقها إرهابي النرويج! وعليه، فالمطلوب اليوم هو وقفة صارمة من قبل الدول، تحت مظلة القانون، وكذلك العلماء، وقادة الرأي، وقبلهم الإعلام، لنبذ كل دواعي التطرف، وإلا فإن العالم سيتحول إلى جحيم إذا تم المساس بحق التعايش المشترك، وثقافة الحوار، ليس عالميا وحسب بل وفي الدول نفسها، ومنها دولنا العربية والإسلامية. فما لم يتم اتخاذ موقف حاسم ضد التطرف، بكل أنواعه ودياناته، فهذا يعني أن حياة الأبرياء في كل مكان ستكون مهددة بالخطر، وعلى غرار ما فعله الإرهابي النرويجي الذي استهدف صغارا من أبناء جلدته ودينه بحجة طرد المسلمين من أوروبا، كما فعلت «القاعدة» حين قتلت من المسلمين أكثر مما قتلت من المسيحيين بحجة إخراج المشركين من جزيرة العرب! نقلا عن الشرق الاوسط السعودية