هل ثمة صراع قائم في الوقت الحاضر بين الإسلام والليبرالية، وهل أزالت الثورات العربية الضبابية عن ملامح هذا الصراع، بعد أن حاول بعض المثقفين ترويج لليبرالية مؤسلمة، لا تزال موضع خلاف وجدل بين أنصار الاتجاهيين، فالشريعة الإسلامية تقوم على الحدود والضوابط وتحد من الحقوق الفردية، وتحرم الحرية الاجتماعية، ويرفض أنصار التيار الإسلامي السياسي فكرة التعددية التي قد تأتي بعلماني إلى هرم السلطة.. ويقبلون بالديموقراطية إذا كانت تخدم مصالحهم، كذلك يفرضون ضوابط شرعية على الاقتصاد والمجتمع، ويهمشون الرأي العام..، بينما يؤمن الليبراليون بالتعددية وحرية الاختيار والحرية الاجتماعية والاقتصاد الحر والديموقراطية السياسية، لذلك قد تكون الأشهر القادمة زمنًا للصراع بين الليبرالية وتيارات الإسلام السياسي في بعض الدول العربية. لكن ذلك لا يعني أن محاولات جريئة قد حدثت لتقديم الإسلام من خلال إطار ليبرالي، وظهر ذلك في الإعلام وفي الاقتصاد والذي حفل نجاح أول عملية استنساخ إسلامي لنظام غربي، بعد أن تمت أسلمة القروض ثم بيعها للناس على منتج إسلامي. كذلك ظهر إعلام ليبرالي يحقق الأرباح من التعامل مع المشايخ والمفتين. في جانب آخر، نجحت اللبرنة الاجتماعية في بعض دول الخليج، وعلى وجه التحديد ظهرت في دبي طفرة ليبرالية اقتصادية واجتماعية استطاعت استيعاب مختلف المظاهر الليبرالية في زمن قياسي، وساعد في ذلك قوة السلطة مع ضعف المجتمع المدني وقلة الفعاليات الشعبية، وبعد ذلك النجاح تبعتها دول أخرى في المنطقة الخليجية وقلدتها في سرعة تحويل المجتمع من تقليدي إلى ليبرالي ينظم مباريات تنس الأرضي للسيدات ويرضخ لشروط تنظيم كأس العالم لكرة القدم الاجتماعية، لكن يظل العامل المشترك في ما ذُكر أعلاه أنه حدث تحت مظلة السلطة وخيار الخصوصية. لكن يبدو أن الصراع الليبرالي الإسلامي قد يأخد اتجاهًا جديدًا في بعض الدول العربية التي شهدت متغيرات سياسية كبرى، فسخونة الاختلاف قد تبدأ قريباً، وذلك لاختلاف الرؤية الإسلامية للدستور عن مفهوم الدستور عند الليبراليين، وستكون الحرية والحقوق الفردية على قائمة تلك الاختلافات، ومصدر ذلك الاختلاف الاتفاق على مرجعية الشعب في تقرير بنود الدستور، والتي ستكون ورقة رابحة في يد الإسلاميين، وفي تلك المرجعية الشعبية رفض للنموذج التركي الذي تم فرضه بالقوة على المجتمع، عندما وضع الجيش دستورًا علمانيًا ثم تعهد بحمايته بعد وفاة أتاتورك. سيكون الخلاف في دول ما بعد الثورة على أي مرجعية يعود إليها القانون في بلاد، وهل ستكون الشريعة الإسلامية مصدر القانون أم سيتم تمرير الرؤية الليبرالية للدستور، والذي إذا تم التصديق عليه سيخرج الشريعة الإسلامية من أن تكون صاحبة اليد الأعلى في مرجعية القانون، لتستر الحياة العامة كما كانت في العقود الماضية، أي تستمر السياحة بكل مقوماتها الغربية، ويستمر الفن في تقديم الأفلام والمسرحيات والأغاني، وتظل الكلمة متحررة من الرقابة الدينية. لم تصل الأمور في الوطن إلى حد الصراع، لكن يوجد تيارات إسلامية أهمها الإخوان المسلمون الذين يمسكون العصا من المنتصف على هامش الصراع المحلي، لكنهم لا يصرحون بانتمائهم علنًا لجماعة الإخوان المسلمين، بينما يتحرك السلفيون في أكثر من اتجاه، وقد تصل انتماءات بعضهم أقرب منها لليبرالية من الإخوان المسلمين، لكن الحلقة الأضعف في دائرة الحراك الاجتماعي هم الليبراليون برغم من وجود تيار اقتصادي ليبرالي قوي، لكنه لا يشارك في أبعاد الصراع بين الإسلام والليبرالية ويكتفي بمراعاة مصالحه، ويأتي سبب ضعفهم قلة شعبيتهم بين الجماهير، والذي يتمتع بتدين وإن كان يمارس حياته بحرية أرحب بكثير من المجندين من قبل التيار الإسلامي السياسي، ولعل وجود سلطة أعلى وأقوى تقوم بدور الرقيب والحامي لمصالح المجتمع يخفف من حدة الصراع، خصوصًا إذا استطاعت التوفيق بين مصالح الوطن ومتطلبات الحضارة. نقلا عن الجزيرة