«تربى حزب العدالة الإسلامي في مناخ يعطيه كل الحرية السياسية، باستثناء حق استخدام الدين في العمل السياسي».. هذه عبارة أقتبسها من مقال للأستاذ عبد الرحمن الراشد في هذه الصحيفة يوم 7 يوليو (تموز) الحالي. دعونا نضع هذا السطر معيارا لسلوك الأحزاب الدينية العربية خلال السنتين المقبلتين، ليس فقط معيارا، بل حجة على الذين يرون في الحزب التركي الوصفة النموذجية لشكل ارتباط التوجه الديني بالعمل السياسي. كيف يكون الحزب السياسي إسلاميا من دون أن يستخدم الدين في العمل السياسي؟ ولماذا لم يعبر حزب العدالة والتنمية، التركي، عن توجهه الإسلامي كما هو معروف في منهجية النظام السياسي في الإسلام؟ المراقب لطبيعة عمل الحزب التركي وجذوره الفكرية، وحتى رأي رواده فيه، وأعني تحديدا طيب أردوغان وعبد الله غل، يلاحظ أنه ينفي عن نفسه، قولا وعملا، التوجه الإسلامي، بل ويعلن في أكثر من مناسبة احترامه لدستور الدولة العلماني وضمان عدم مخالفة روح العلمانية. إن حقيقة كل حزب سياسي تنطلق من مواقفه الداخلية حتى إن بدت له تطلعات أو مواقف خارجية. في الداخل التركي، يعجز حزب العدالة والتنمية عن السماح للمحجبات بدخول الجامعات التركية؛ لأن الحجاب يعتبر سلوكا دينيا صريحا يتنافى مع علمانية الدولة، لكن أردوغان يخرج لينتقد الموقف الفرنسي الذي يحظر ارتداء النساء للنقاب في الأماكن العامة، في موقف متناقض بين ما يستطيعه أردوغان في الداخل وما يصدره بسهولة للخارج. حزب العدالة والتنمية التركي لديه هدفان رئيسيان؛ الأول هو الحد من انجراف الدولة تجاه التطرف العلماني الذي قيد حريات الأفراد، ومنها حرية المعتقد. والهدف الثاني: منع الجيش من إحكام قبضته على شؤون الدولة فتنهار عندها ملامح الدولة المدنية. وهي أهداف سياسية بامتياز بعيدة تماما عن أي آيديولوجية دينية، كما أنها حقيقية؛ لأن لديها أساسا من المخاوف والتجارب السابقة التي كانت فيها العلمانية تسطو على الديمقراطية بقوة النظام، حتى إنها جعلت حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي بعيد المنال. هل هذه المعطيات بظروفها وبيئتها موجودة في مصر أو الأردن أو الكويت أو تونس أو المغرب؟ في مصر، يحاول حزب الإخوان المسلمين الظهور بمظهر المقلد لحزب أردوغان، للإيحاء للمصريين بأنه سيجعل من مصر، التي أفسدها النظام السياسي السابق، تركيا أخرى قوية ونامية. لكن هذا غير صحيح، إلا من حيث التصريحات التي يطلقها القيادي في التنظيم، عصام العريان، لوسائل الإعلام الأجنبية، أما الحقيقة فإن التحول من الإخوانية إلى الأردوغانية يحتاج إلى اقتلاع جذور فكرية وزرع أخرى مختلفة تماما، وما قام به الإخوان المسلمون حتى الآن هو مظاهر للتقليد لا تشير إلى أي تغيير في عمق فكر التنظيم، ولا حتى رغبة في التغيير، إنما هي متطلبات المرحلة ومحاولة للانسجام مع أصوات الشارع، تحضيرا للانتخابات البرلمانية المقبلة، ولا أدل على ذلك من رسالة التهنئة التي بعث بها المرشد العام للإخوان المسلمين، الدكتور محمد بديع، إلى رئيس الوزراء التركي أردوغان، بمناسبة فوز حزبه مؤخرا بأغلبية مقاعد البرلمان التركي؛ حيث ذكر فيها أن فوز حزب العدالة والتنمية هو «انتصار للمشروع الإسلامي». الأحزاب الدينية في الشرق والغرب العربيين كلها لديها أجندات قديمة تقليدية، وأخرى مستجدة وُلدت بعد الربيع العربي الذي كشف عن أن مدة صلاحية الفكر الأصولي انتهت، وأن المواطن العربي لم تعد تغريه الشعارات الدينية، فأنزلت هذه الأحزاب شعاراتها القديمة ورفعت أخرى تدعو للإصلاح والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. هذا التغيير في السلوك لن يكون قابلا للثقة والتصديق إلا إذا ارتبط بمواقف أكثر عمقا من مجرد تغيير الثوب، وأهم المواقف الكبيرة هو الموقف من الآخر المختلف واحترام الحريات. أما العنف، تنفيذا أو تحريضا، فلا أظنه خيارا مطروحا في مشروع الحزب الديني في ظل هذه المتغيرات على الرغم من أنه كان عنوانا رئيسيا في السابق تحت مسمى الجهاد، إلا أن موقف هذه الأحزاب من إسرائيل يبقى أكثر المشاهد متعة وإثارة؛ لأنه سيجسد حالة البراغماتية السياسية بكل وضوح. المهم في هذا كله أن الإخوان المسلمين لن يستطيعوا الاحتفاظ بهوية رمادية مزدوجة؛ دينية وسياسية، سيتخلون عن إحداهما، عيانا بيانا، حتى لو لم يعترفوا ذلك نقلا عن الشرق الاوسط السعودية