العنوان أعلاه، يتكون من أداة استفهام، تبحث عن سبب فعل يقترفه فاعل ضد مفعول به. فعل التعنصر، المشتق من اسم الفعل العنصرية، هو من أقبح الأفعال التي يقترفها الإنسان ضد فئة من نوعه. وذلك لكونه أول وأقبح فعل ارتكب في الخليقة ضد الإنسانية، والذي اقترفه إبليس ضد الإنسان، عندما رفض أمر الله بالسجود لآدم (أول إنسان في الخليقة)، بحجة دونية آدم، الذي خلق من عنصر التراب، وإبليس خلق من عنصر المارج من النار؛ والذي أوجب عليه اللعنة من الله والطرد من رحمته. ولم أحشر هذا المثل العنصري الإبليسي حشراً، ولكن سمعت لمن يروج، لمثل هذه الأطروحة الإبليسية، وهي أن المرأة لم تخلق من تراب وإنما من ضلع آدم. وذلك للتحقير والحط من المرأة، بعلة النشأة أو التكوين الدوني لها، كما يتهمون، والتي لا دخل لأحد فيها سوى الله تعالى عما يصفون. إذاً فالعنصرية هي أول وأقبح وأبشع جريمة يقترفها الإنسان، حيث يستحق عليها اللعن، كسلفه إبليس عليه لعنة الله؛ وهي ما زالت كذلك جريمة قائمة يقترفها الإنسان ضد الإنسان؛ كسنة إبليسية: "قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين". والسؤال هنا، هو لماذا يقترف الإنسان جريمة التعنصر ضد عنصر أو عناصر تختلف عن عنصره كما يتوهم، مثل عنصر الجنس أو عنصر اللون أو عنصر العرق، إلخ.. طبعاً، ليس باليسير تحديد دوافع التعنصر والعنصرية، كجرم شنيع يرتكبه الإنسان ضد الإنسان، فمنها الأمراض النفسية المستعصية، ومنها الثقافة المتأبلسة، ومنها ما نعرفه من صراع الإنسان ضد نوعه الإنسان الآخر، من أجل إبادته واستحلال أرضه وخيراته، أو استعباده وسلب حقوقه، لاستغلال جهوده وطاقاته وضمه لممتلكاته. وخير مثال على ذلك، ما اقترفه البيض الأوروبيون عند احتلالهم لشمال أميركا، من إثم التعنصر ضد السكان الأصليين للقارة وهم الهنود الحمر، ومن استجلبوهم عنوة من أفريقيا، وهم الزنوج السود. وحيث إنهم يريدون احتلال الأرض، فقد قرروا تطهيرها عرقياً من الهنود الحمر، ملاكها الأصليين. وأما ما يخص السود الأفارقة، فقد قرروا المحافظة عليهم، ليستخدموهم كيد عاملة مجانية في زراعة وإعمار القارة الجديدة، لينعموا بخيراتها، ويحتفظوا بها دون سواهم. ولذلك استخدموا في سبيل ذلك أسلوبين من التعنصر، واحدا استهدفوا به الهنود الحمر والآخر الزنوج. وليشرعنوا لأنفسهم اقتراف مثل هذا الجرم الشنيع، بدون تأنيب ضمير، استندوا على قاعدة، النقاء العرقي لهم. حيث اعتبروا أنفسهم كعنصر أبيض، أرقى من كل العناصر الإنسانية الأخرى. وقلدوا هذا المفهوم العنصري، وشاح القداسة؛ حيث اقتطعوا من كتبهم المقدسة نصوصا وحوروها ليشرعنوا لأنفسهم جريمتهم. فأطلقوا على أنفسهم، شعب الله المختار، والشعب المصطفى من لدن الله، لنشر الدين والحضارة في العالم، وسموا الأرض بأرض الميعاد؛ وعليه أباحوا قتل سكانها رجالا ونساء وأطفالا وشيوخا (الكنعانيون)، والذين حل محلهم الهنود الحمر، واسترقاق شعب آخر (الأغيار)، وهم الزنوج. وعليه انطلقوا يقتلون الهنود ويسترقون الزنوج بدون أدنى تأنيب ضمير. وقد استخدموا أسلوبا للتعنصر يؤدي لإبادة الهنود الحمر، وآخر يؤدي لاسترقاق الزنوج السود واستلاب حقوقهم الآدمية. وكان أسلوب التعنصر المؤدي للإبادة، يرتكز على نزع كامل الآدمية عن الجنس المراد إبادته، وأسلوب الحط من آدمية العنصر المراد الحفاظ عليه، لاسترقاقه. ولذلك فقد أطلقوا على الهنود الحمر مسميات وصفات، تستحق التخلص منهم، مثل المتوحشين والبرابرة والقتلة والسفاحين، وما شابه ذلك من أوصاف وأسماء يستحقون عليها التخلص منهم، كنوع من الدفاع عن النفس والدين والحضارة. ولذلك فقد تمت إبادتهم وحرق ممتلكاتهم وسلب أراضيهم بدون رحمة أو تأنيب من ضمير. أما أسلوب التعنصر الذي استخدموه ضد الزنوج السود، فهو الحط من آدميتهم، وليس نزعها عنهم بالكامل، كما فعلوا ذلك مع الهنود الحمر، وذلك لسبب الحاجة إليهم، والحرص على تكاثرهم، ولكن بنفس الوقت إسقاط حقوقهم الإنسانية. وكان من أدوات هذا الأسلوب الحط من قدراتهم العقلية والذهنية، وعدم قدرتهم على التصرف السليم أو اتخاذ القرار الصائب، مع وصمهم بالجبن والغدر والخبث وعدم الأمانة، وحتى الحط من قدرتهم على الشعور بالذنب أو الإحساس بالندم وحب فعل الخير وحسن تقديره. وقد أثبت بعضهم ذلك بتجارب (علمية)، أبعد ما تكون عن العلم، مثل كون جماجمهم صغيرة، أقرب لجماجم القرود منها للإنسان؛ وعليه استحقوا عدم معاملتهم كبشر أسوياء، مثل البيض، وعليه جواز هضم حقوقهم، واستغلالهم كيد عاملة مجانية، واعتبارهم جزءا من أملاك الإنسان الأبيض. ولذلك فقد استخدموهم لأكثر من قرنين ونصف، في البداية كيد مجانية تعمل بجد واجتهاد في الزراعة وخدمة البيوت والبناء والتحميل وما شابه ذلك من أشغال شاقة في الأسواق، ثم بعد تحريرهم كيد رخيصة في المصانع والمشاريع الصناعية والمعمارية الجبارة. وهكذا نجح العنصر الأبيض في الوصول إلى مأربه، في التعنصر ضد العنصرين الأحمر والأسود. ولذلك فلكل جرم مقدمات، يجب التنبه لها، لمنع الجرم من الوقوع، فمقدمات جرم الإبادة الجماعية واستعباد الناس واسترقاقهم، واستغلال جهودهم وطاقاتهم والحجر عليهم وإذلالهم؛ هي العنصرية بكل أنواعها وأشكالها. ولذلك فكل عنصري هو إما مجرم، يمهد لارتكاب جرم شنيع ضد عنصر من الناس، في بث عنصريته ضدهم، وشرعنتها دينياً وأسطورياً وسياسياً، وحتى محاولة تثبيتها بوهم أو دجل (علمي)، وإما جاهل غبي، يساعده جهله وغباؤه على ذلك. ولذلك فوجوب الوقوف ضد أي عنصري بحزم وشجاعة، وشل قدرته على ارتكاب جرمه، بتجفيف منابع ثقافته العنصرية وتجريمها، ومعاقبة من يروج لها. إن التعنصر ضد المرأة، كما هو في شرقنا، مكشوف الأسلوب ومفضوح المأرب. فنفس الأسلوب العنصري الذي استخدم بكل شناعة ضد الزنوج في أمريكا، ما زال يستخدم ضد المرأة لدينا. والحط من كمال آدميتها واضح في خطاب من يروجون له، ولا يحتاج لعالم صواريخ لاستكشافه. وعليه فلا عجب فهي ناقصة التفكير وقليلة الدين، وغير مأمونة الجانب. كما أنها أكثر من يستخدم السحر والحيل والخداع والخبث وغير مأمونة الجانب؛ من أجل الوصول لمأربها. وكثير من مروجي الخطاب العنصري ضد المرأة، يروجون لأكاذيب يعتبرونها علمية، مثل تأثير الدورة الشهرية، على مشاعرها وسلوكها؛ التي تجعل من تصرفاتها غير طبيعية أو سوية، مهما حملت من الشهادات العلمية وأثبتت جدارتها بإنجازات علمية وعملية، تثبت كفاءاتها كإنسان، يستحق كل الرفعة والتقدير. ولذلك فأول مسلمات أهداف خطابهم العنصري ضد المرأة، هو وجوب الحجر عليها، ومراقبتها في حلها وترحالها، وعدم تمكينها من حقوقها المادية والإنسانية وحتى الوطنية منها. والمطالبة بحجزها في بيتها بقدر المستطاع، فهي قد خلقت كما يشتهون، لخدمة واستمتاع الرجل بها؛ وعليه فيجب أن تكون دوماً جاهزة لأداء دورها هذا في الحياة، ولا غيره. والنتيجة هو عضلها وسلب أموالها، وتسخيرها لخدمة ومتعة الرجل، باختراع أنواع الزيجات وقمع النساء نقلا عن الوطن السعودية