في نيسان أيام كثيرة تكاد تكون بعدد أيام العام كله ,هذه الأيام ذاكرة فلسطينية إلا و كتبت فيها ,ففي نيسان رحل صاحب الرسالة التي أكملها المنتفضين الفلسطينيين بعد استشهاده في زمن الانتفاضة الأولى ,وفي نيسان كانت مذابح دير ياسين و جنين ,وفي نيسان يوم الأسير الفلسطيني , هذا اليوم الذي يقضي مع الأسري عاما كاملا ولا يخرج إلا يوما في العام ليبلغنا منهم التحية و يقرئنا منهم السلام , ويلقي التحية على قبور الشهداء ويعود الجرحى في المشافي ,ويسال القادة إذا ما كانوا على العهد باقين والقسم حافظين , لهذا فنيسان هو الإنسان الفلسطيني الشعب الحزين وهو كل المقاومين المدافعين عن شرف الأمة وعزها . نيسان الفلسطيني صابرا كحال باقي الأسرى خلف القضبان البغيض ,نيسان الفلسطيني, هذا اليوم الحزين الذي ابعد السجن بينه وبين الأهل والأحباب والأصحاب والابن والزوج أو الزوجة , فنيسان يصبح قافلة تسير إلى المجهول ,لكنه ثورة لا يعرفها إلا من عاشها وتعرف على آهاتها وعذاباتها وصبرها , وأملها ويأسها , وكل ما تختلج به النفس حين الثورة , نيسان الفلسطيني أصبح آلاف القصص ,لكل قصة زنزانة بداخلها مناضل ,بطل كتب على منضدة الصبر كل الكلمات لتصبح صحيفة الحرية يحفظها كل الثائرين . يأتي نيسان ويذهب أخر وتأتي سنوات معه لا نعرف منها إلا طول الليالي وطول الآهات و الأسري معتقلين مع نيسان خلف قضبان سوداء لا تحكي إلا قصص أصحاب الثورة و قصص التحقيق المتواصل وتحكي قصص إجرام بني صهيون ,وتحكي قصص الدماء عندما تنزف من العيون والأفواه والأقدام وكل ما في الجسد من آلم ,و يأتي نيسان ألاف بل الأكثر من العشرة بعد ألاف وكثير من الأسري لا يعرفون ما هو لون نور الشمس بالخارج لأنهم ممنوعون من رؤيتها وممنوعون حتى الإحساس يدفئها , وكثير من الأسري يعتقدوا أن لون شعر الأم مازال اسودا ولم يغيره الزمان ,كثير من الأسرى لا يعرفون أن أخوتهم و أخواتهم يقبعون بمعتقلات أخري , إن الحقيقة أنهم لا يعرفون هذا وما يعرفونه فقط أبناء العصافير التي تكاثرت على شباك تلك الزنزانة السوداء , مساكين هؤلاء العصافير فقد صنعوا لكل الأسري والمعتقلين مئات من قصص العشق الخالد ومئات من قصص الحب الذي يبعث في نفوسهم أمل جديد. يعرف نيسان اليوم أن حال الأسري أكثر سوأ من ذي قبل ,فقد دخل عددا منهم إلى قائمة الأسري القدامى ,ودخل آخرون على ثاني مؤبد ولا يعرف متى تنتهي الأربعين مؤبدا الاخري التي صدرت بحقه من ذلك السجان اللعين , و دخل آخرون عاما آخر في زمن النسيان , إلا أن كل الأسري يعرفوا أن الحرية مجرد وقت ولا بد أن تأتي مع نور الشمس برغم كل الأبواب الموصدة خلف تلك الأسوار العالية ,وبرغم القضبان التي أكل الصدأ منها الكثير ,وبرغم الزنازين العتمة ,وبرغم الأسلاك الشائكة وكلاب الحراسة وحملة البنادق اللعينة ,و في هذا اليوم يعرف كل الأسري أن الحرية باتت على مرمي حجر عندما يعرفوا أن الملايين من أبناء شعبهم والشعوب الحرة تنادي بحريتهم دون أدنى قيد أو شرط , عندما تصلهم عباراتنا محملة بالورود والقبلات لتطبع على هاماتهم العالية , عندما يسمعوا صوتا ينادي مع تلك العصافير التي تحدثهم كل صباح وتودعهم كل مساء بأن عمر الزنازين اقصر عمرا من المحتل نفسه . نيسان الفلسطيني أيها السادة يخرج من السجن يوما في العام يحمل معه أخبار كل المعتقلين كل المحرومين من أخبارهم , يأتي للأمهات يوزع عليهم القبلات , يأتي للأصدقاء والأخوة و الثائرين ليبلغهم أن من بالأسر مازالوا على موعد مع الحرية , يأتى ليعرف ماذا فعل العالم الحر بقضيتهم , هل اصبحت اممية ؟ , وهل قالت الاممالمتحدة انهم اسراي حرب ؟ يعود بعدها نيسان الفلسطيني يعيش هناك في عمق الزنازين السوداء وخلف القضبان الحمقاء إلا انه أكثر شيئا حرا في هذا الزمان , لأنه يدخل المعتقل ويخرج دون أن يراه السجان , يقبل هامة هذا و يمسح دموع تلك الأسيرة ويحمل لها قبلات أبنائها دون أن يعرف السجان الغبي بهذا ولو عرف فماذا هو فاعل...؟؟ , فلن يره إلا المعتقلين الثوار ولن يقابله إلا العمالقة , ولن يتحدث معه إلا من كتبوا التاريخ على عظام الشهداء , انه نيسان الخالد الثائر المكافح المناضل من عاش الصبر مع هؤلاء الأبطال وربط الكوفية الثائرة على رأس كل مناضل , من جعل من المعتقل مسيرة كفاح تقود إلى النصر , من جعل المعتقل بردا و سلاما على تلك الهامات الفلسطينية و العربية الصابرة . نيسان أيها السادة عرف العديد من المعتقلات الصهيونية السرية وحفظ أسماء كل المنفيين بداخلها ونقل لهم حبنا و فخرنا , وابلغهم بان المحتل سيفشل في إخفائهم و سينهزم بصبرهم , نيسان أيها السادة ليس يوما و ليس بشرا ولا طيرا كتلك التي تعشش على شرفات الزنازين بل أن نيسان روحا طاهرة يراها كل الأسري و المعتقلين ويعرفها كل الثائرين لأنها تلك الروح الثائرة فينا التي تأخذ منا وتعطيهم حياة ,طريقها واحد وهو طريق الحرية وطريق النصر . خاص بالوكاد