في تقرير مهم وخطير يستحق الدراسة (من اعداد الزميلة هيام المفلح) نشرته جريدة الرياض يوم السبت 12 فبراير 2011 العدد 15573 بعنوان: "جامعيون عاطلون في السجون". يقول التقرير استنادا على احصائية صادرة من وزارة الداخلية (وفقا للتقرير) ان 90 % من نزلاء السجون في السعودية من العاطلين، وان 70 % منهم من خريجي الجامعات. رغم ان نسبة ال 90 (تسعين) % من السجناء من العاطلين متوقّعة ولا تثير الاستغراب. لكن نسبة ال 70 (سبعين) % منهم جامعيون فيبدو انه يوجد خطأ واضح في الاحصائية لأن نسبة الجامعيين بالنسبة لعدد السكان ضئيل جدا بحيث مهما ارتفع عدد الجامعيين المسجونين لن يصل الى ان يكون من بين كل عشرة مساجين سبعة منهم متخرجون من الجامعات. اذا لم يكن يوجد خطأ في أرقام الاحصائية فمن المرجّح أن الاحصائية قد تكون تقتصر على المساجين في سجون معينة فقط او انها تقتصر على فئة معينة من المساجين. هذه النقطة - للأسف - لم يتنبّه لها المختصون الذين ابدوا رأيهم في الاحصائية فقال بعضهم ان ارتفاع نسبة الجامعيين المسجونين انها أزمة تعليم والقوا باللائمة على هشاشة مستوى التعليم الجامعي في المملكة. لكن حتى مع التسليم بارتفاع نسبة الجامعيين في السجون فإن ارتفاع هذه النسبة ليست دليل على ان التعليم يرفع نسبة الجريمة - بل العكس - يدل على أن التعليم يرفع مستوى الوعي و ويجعل المتعلمين (لاسيما الجامعيين) يعرفون حقوقهم اكثر من غيرهم ومن ثم يشعرون بالظلم لضياعها اكثر من غيرهم وعندما يعجزون عن استرجاع حقوقهم يعبّرون عن سخطهم بالخروج على مجتمعاتهم. الإحساس بالظلم (اي معرفة المظلوم بأنه مظلوم) وليس الظلم في حد ذاته (اي حالة وقوع الظلم وعدم معرفة المظلوم انه مظلوم) هو الذي يؤدي الى الاعتراض على الظلم الواقع. و لا شك ان الجامعيين بعد قضاء زهرة اعمارهم في الحصول على شهاداتهم العلمية على امل ان يرفعوا مستوياتهم الوظيفية ثم يفاجأون بعد تخرجهم بأن جهودهم ذهبت ادراج الرياح وان الوظائف التي كانوا يحلمون بأن يحصلوا عليها قد اعطيت لغيرهم - بسبب فتح ابواب الاستقدام - سيكونون اكثر الناس احساسا بالظلم. اذن ارتفاع نسبة الجامعيين في السجون ليست مؤشرا على أن سياسة التوسع في نشر التعليم الجامعي التي انتهجتها المملكة هي سبب الأزمة بل سبب الأزمة هي سياسة التوظيف التي انتهجها القطاع الخاص الذي يرفض ان يوظّف السعوديين. البطالة - كما وصفها بعض المختصين في التقرير - هي أم الكباير ليس فقط لأنها تضر مباشرة بالشباب السعوديين (بجميع فئاتهم بما فيهم الجامعيين) فيشعرون بالظلم والقهر وعدم الانتماء للوطن وبالتالي تدفعهم الى التمرد والخروج على المجتمع. بل - أيضا - لأن أضرارها تسري في الخفاء كالسرطان في كامل جسم الاقتصاد الوطني فتعيق اكتمال الدورة الاقتصادية (بسبب التحويلات المقتطعة الى الخارج) كما يعيق الكولسترول اكتمال سريان الدورة الدموية في شرايين جسم الإنسان. كذلك البطالة قاتل صامت - كارتفاع ضغط الدم - لا تلبث شرورها ان تطال رجال الأعمال الذين يعتقدون (او يخيّل لهم) انهم يستفيدون من استقدام العمالة الرخيصة بينما لا يدركون ان الأجور التي يدفعونها للعمالة المستقدمة تتسرّب الى الخارج فتقتل الطلب على مبيعاتهم. من المتناقضات في خطط تنمية اقتصادنا اننا ننجح في تحقيق الأشياء التي لا نحتاجها ونفشل في تحقيق الأشياء التي نحتاجها. فيقال اننا نجحنا في جذب رأس المال الأجنبي بينما في الواقع نحن لا نحتاج لرأس المال ولدينا فائض في هذا العنصر من عناصر الإنتاج. بينما بدلا من ان ننجح في بناء وتطوير اهم عنصر نحتاجه من عناصر الإنتاج وهو عنصر الأيادي العاملة قضينا على ماكان يوجد لدينا من هذا العنصر من عناصر الإنتاج عندما لم يكن لدينا خطّة ولا وزارة تخطيط. * نقلا عن الرياض