استنجدت السلطات الليبية مباشرة أو من خلال أذرعها الإعلامية بعدد من المشايخ السعوديين، فسيف الإسلام القذافي اتصل بالشيخ سلمان العودة، والساعدي القذافي بالشيخ عائض القرني، ومدير الفضائية الليبية بالشيخ محمد العريفي، وكل هذه الاتصالات هدفت للمساعدة في تهدئة الشعب الليبي الثائر، وكانت الآمال الليبية القذافية تتعشم في هؤلاء المشايخ أن يبينوا للشعب الليبي المنتفض أنه لا يجوز الخروج على «ولي الأمر» الليبي ولا المطالبة بتنحيته. والذي أعلمه أن هؤلاء المشايخ طالبوا بكف استخدام العنف والذخيرة الحية في تفريق المتظاهرين والمعتصمين، كما استهجن المشايخ السعوديون بشدة الأسلوب الوحشي القمعي الذي انتهجه «ولي الأمر» الليبي في مواجهة مطالب شعبه. طبعا واضح لكل ذي لب الانتهازية القذافية الرخيصة لموقف المنهج السلفي الحازم من الخروج على الحاكم، وإلا فالقذافي وزمرته من أشد المناوئين لهذا المنهج ورموزه وحتى ساسته، والملاحظ أن القذافي بدأ يلجأ إلى الشأن الديني في خطاباته الأخيرة لكي يثبت سلطته وعرش جبروته، كما جعل الدين وسيلة في خطاباته بعد ثورته المشؤومة قبل أكثر من 42 عاما «ليشرعن» نظامه الجديد. إن هذه الانتقائية القذافية البليدة في استخدام الدين وقت المحن والإحن، وازدرائه وقت الدعة والرخاء، لا تفيد مطلقا، والناس تميز - بحسها الواعي - الذي يتاجر بالدين ويتخذه لهوا ولعبا، عن الذي له منهجية لا تنخرم في الالتزام بمرجعية الدين على طول الخط، في المنشط والمكره، في اليسر وفي العسر. الأمر الآخر الذي يجدر الانتباه إليه ونحن بصدد الحديث عن المنهج السلفي وموقفه من الثورات العربية الأخيرة، وخاصة في مصر، أن الكثير من المحللين قد لاحظ أن المنهج السلفي «التقليدي»، الذي يتكئ على جملة من النصوص الشرعية ويجعل من استقرار المجتمع وأمنه أولوية كبرى مهما بلغ ظلم الحاكم لكي لا ينزلق المجتمع إلى ما هو أسوأ وأخطر، قد شهد ارتباكا واضحا من الثورة المصرية، كما واجه مشكلتين؛ الأولى: أن صوت مشايخ السلفية، وإن كان له حضوره في الساحة المصرية - مقارنة مثلا بالمرجعية الدينية الرسمية -، قد تاه في صوت الملايين الهادرة الغاضبة في ميدان التحرير التي ضجت من مظاهر الظلم والكبت والاستبداد والفسادين المالي والسياسي، ولقد أخذ بعض العلماء والمفكرين على «السلفيين» في مصر صوتهم الخافت في ردع الحاكم المصري عن ظلمه «أيام الرخاء»، الذي نستطيع أن نسميه بالمنهج الوقائي. فإن مناصرة الظالم واجبة، وهذه النصرة كما فسرها النبي صلى الله عليه وعلى آله في حديث «انصر أخاك ظالما أو مظلوما (بردعه عن ظلمه)»، هذا التقصير منهم ومن غيرهم أسهم مع عوامل أخرى في دفع البلاد كلها إلى حافة الهاوية والحرب الأهلية المدمرة، ولكن الله سلم. المشكلة الثانية أن المنهج السلفي شهد مؤخرا اختلافا حول الموقف من المظاهرات والمسيرات في الدول العربية التي ثارت شعوبها، ما بين محرم لها مطلقا ومبيح لها مطلقا، ورأي آخر وسطي يبيحها في البلاد التي تسمح بها كوسيلة للتعبير عن المطالب، ويمنعها في الدول التي تحظرها أنظمتها، والموقف الأخير، في تقديري، هو الذي يفرضه الشرع والعقل والمنطق، ومع ذلك فالحقائق على الأرض تقول إنه مهما بذل من جهد لإقناع الشباب المحتقن بتحريم المظاهرات والمسيرات فلن يكون تأثيره بالمستوى المأمول ما لم يصاحبه بالتوازي مواصلة جادة في عرض حزم إصلاحية، خاصة تلك التي تلامس تطلعات الناس وحاجاتهم مع خطوات عملية جادة في محاربة الفساد المالي والإداري نقلا عن الشرق الاوسط السعودية