استقال أمس رئيس وزراء تونس محمد الغنوشي قائلا إنه لم يعد يحتمل الضغوط والظروف الصعبة. فقط 41 يوما منذ هروب زين العابدين بن علي من الحكم لم يكمل رئيس الوزراء المؤقت وظيفته، وهدفها إدارة البلاد حتى يحين موعد أول انتخابات كاملة حقيقية حرة ونزيهة، وقد عاد المحتجون إلى الشوارع في مواجهات سقط فيها قتلى وجرحى. أيضا، الوضع في مصر مقلق. مرت 18 يوما فقط على إسقاط مبارك وهاهي الجماهير تعود إلى ميدان التحرير في القاهرة للتظاهر والاحتجاج، في نزاع حول ما ينبغي فعله من الآن وحتى موعد الانتخابات المأمول بعد ستة أشهر. ولا أحد يعرف إن كان للثورة المصرية أن تصبر حتى ذلك الحين قبل أن ينفجر الشارع مرة أخرى، حيث يستمر الاختلاف على الكثير من القضايا. ليبيا، أصعب الثورات وأكثرها دموية، ولا تزال في طور الحدث.. فالبلاد، منذ أسبوعين، في حالة حرب حقيقية، ضحاياها بالآلاف، وحتى هنا فإن المحتجين، على الرغم من نجاحهم الباهر على الأرض وسرعة انتصاراتهم، عاجزون عن الاتفاق مؤقتا على صيغة الحكم والقيادة المؤقتة. ويتضح أن القاسم المشترك بين الثورات الثلاث هو الهدف الأول إسقاط النظام، أحيانا بثمن غال جدا كما هو الحال في ليبيا، الذي لا يزال ينزف، لكن ما عدا ذلك يبقى الاختلاف حيث لا توجد بدائل جاهزة لقيادة الوضع السياسي وتجنب البلاد مخاطر الفراغ والتنازع على الحكم. في ليبيا الأمر مستعجل جدا؛ حيث إن تشكيل قيادة مقبولة لجميع القوى المعارضة والشباب على الأرض سيساعدهم على حسم أسرع للحرب لصالحهم. فالعالم، وتحديدا مجلس الأمن، انحاز أخيرا إلى جانبهم، وبات مستعدا لو وجدت قيادة موحدة أن يدعمها، ويحسم باسمها المعركة، بالتدخل المباشر أو غير المباشر. الشخصية الأكثر احتراما وزير العدل المستقيل مصطفى عبد الجليل، الذي أيد المحتجين والثورة، أخذ على عاتقه التعجيل بإعلان حكومة مؤقتة بموافقة القوى الثورية حوله. لكن المفاجأة أن حكومته رُفضت بعد ساعات من إعلانها من قبل المعارضة التي وصفت حكومته بأنها وجهة نظر شخصية، وبالتالي فشلت فرصة تنظيم الحكم الجديد والتعامل مع المجتمع الدولي. وبقي الوضع الليبي غامضا وخطرا جدا، وهذا ما جعل سيف الإسلام القذافي يقول: انظروا.. استولوا على بنغازي لكنهم يتقاتلون الآن على إدارتها. ولأن مصر كانت أكثر سلاسة وانسيابية في معالجة إسقاط حكم الرئيس حسني مبارك، وأكثر انضباطا، ولأنها الدولة الأكبر والأكثر تأثيرا في المحيط العربي، وهي التي تعطي النموذج إيجابا وسلبا، فقد كان المأمول أنها تجاوزت مرحلة الخطر، وصار قطار الانتقال يسير على سكة حديدية صلبة، لكن لا يبدو الأمر كذلك حتى الآن. فميدان التحرير اكتظ يوم الجمعة الماضي، والأيام التالية، بجماهير هائجة محتجة، فيما يبدو ثورة ثانية جديدة، اضطرت الجيش إلى قطع الكهرباء على المحتجين. لكن إطفاء الكهرباء لن يخفي المشكلة. فهل المعضلة أن طموح الثوار غير واقعي، وهم في عجلة من أمرهم، أم أن حكم مبارك سقط لكن النظام بقي في مكانه يدير المسرح؟ إن جاء الصيف ولم تنته الخلافات، فستصبح مصر في خطر حقيقي قد يعيد المكاسب كلها إلى الوراء. وحتى لا ننسى، نسأل: ما المكاسب الموعودة؟ نظام حكم شعبي ديمقراطي لا يقصي أحدا، يضمن لمصر استقرارا واستمرارية، كما يحدث في دول العالم المتقدم. هذه هي الوعود التي، بكل أسف، يبدو أن الثوار والنظام عاجزون عن التركيز عليها، ويبددون وقتهم في النزاع على تفاصيل الماضي. وتونس حالة مماثلة لمصر؛ حيث تستمر الاضطرابات وبعنف أكثر، ويمكن أن تنتهي تونس إلى حالة نظام أمني أو عسكري يشابه الجزائر ولعشر سنين مقبلة نقلا عن الشرق الاوسط