أدخلنا الحوار الذي أجراه مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بمدينة جدة يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين حول تأثير القبلية والمناطقية والتصنيفات الفكرية على الوحدة الوطنية.. أدخلنا في متاهة جديدة أشد تعقيداً من طبيعة الموضوع محل البحث والمناقشة والاستقصاء والاجتهاد والتشاور.. حول القبلية وما تؤدي إليه من تبعات واحمال وسلبيات وتفخيخ للمجتمعات المصابة بها من الداخل.. ** فبدلاً من أن نشخص الواقع بدقة ونواجهه بموضوعية وتجرد وحصافة.. فإننا كما لاحظت من خلال ما نشر بصحف اليوم التالي عن مناقشات اليوم الأول قد أغرقنا في الفلسفة والتنظير ولمس هذا الموضوع الحساس بدرجة قصوى من الشاعرية.. أو الطوباوية.. والتلميحات المليئة باستشعار القلق.. بدلاً من التصريح به.. والتعبير عنه بصدق.. وتشريحه.. والأهم من ذلك معالجته بهدوء.. وعمق.. وبواقعية .. عبر استحضار الأمثلة.. وعرض الوقائع.. وتقديم الإحصاءات المعبرة عن بعض الممارسات الموجودة على الأرض.. سواء مما له صلة بأنماط التفكير القبلي السائدة.. أو النماذج العملية والوظيفية والإجرائية الموجودة.. أو الأخطاء والتجاوزات التي تدخل على وجود الحالة.. سواء أكان هذا الوجود تلقائياً وعفوياً.. أم كان مقصوداً في حد ذاته.. ** ان مثل هذا النوع من الطرح الواضح والمباشر والأقرب إلى الفكر العلمي هو الذي سيقودنا في النهاية إلى مواجهة الظواهر السالبة في حياتنا ويهيئ لنا أسباب الخلاص منها وتحصين مجتمعنا من تبعاتها وليس غير هذا.. ** وبقدر ما أعجبتني إشارة معالي رئيس المركز الشيخ صالح بن عبدالرحمن الحصين (بأن المسلمين تعايشوا مع كافة الديانات الأخرى وأعطوها الحرية في المعتقد وفي أداء شعائرهم وحقوقهم وبأن تكون لهم قوانينهم الخاصة) بقدر ما أعجبني ذلك.. بقدر ما استوقفني قوله ( ان هذا المبدأ طبق من غير استثناء في كل أقطار العالم الاسلامي الا أرض الحرمين فإنه لا يجوز الاستيطان فيها لغير المسلمين) ونحن في هذه الجزئية بحاجة إلى تحديد قوي وواضح للمقصود هنا بأرض الحرمين.. هل هي أراضي المملكة العربية السعودية ! كلها.. أو أرض مكةالمكرمة والمدينة المنورة وحدهما.. حتى لا يلتبس الأمر على الجميع ويجد فيه البعض مدخلاً يعيدنا إلى تلك المتاهة التي أدخلنا فيها من سموا أنفسهم برجال الصحوة اثر الغزو العراقي للكويت.. وحسبي ان معالي الشيخ وهو المعروف بعمق التفكير وسعة العلم وبالموضوعية أن يوضح هذه النقطة ولا يتركها مجالاً للبس والاختلاف في وقت نسعى فيه إلى فك المتشابكات.. وتبيان الملتبسات وتوضيح الأمور بصورة جلية.. ** أما قول معاليه – اذا تأكد ما نشر على لسانه – ب ( انه لا يجوز أيضاً ان يمنح البلد جنسيته لغير المسلم) وقوله ( ان هذا ليس من دوافع التمييز فكل سلوك المسلمين دفع إليه العدل والمنطق.. لاسيما وان المملكة تنفرد بأن نظام الحكم الأساسي فيها يحكمه الكتاب والسنة وهذه الخاصية لا توجد في بلد من بلدان العالم.. وبالتالي فإن الخطاب لايمكن ان يكون عقلانياً أو واقعياً اذا لم يكن منسجماً مع هذه الخصائص وان إدراك هذه الحقائق له أثره العميق في مسيرة الحوار).. ** أما هذا الكلام.. فإنه قد يفهم خطأ.. وقد يفسر على نحو آخر.. لأن من يعرفون معاليه.. ويعرفون مدى سعة أفقه سوف يفهمونه على نحو غير ما قد يفهمه البعض لما فيه من خلط بين فكر الدولة وبين مسؤولياتها الإدارية ونظامها السياسي واستحقاقاتها الوطنية ووضعها الدولي وشخصيتها القانونية وهي أمور ليس من حق أي أحد الخوض فيها لأنها ترتبط بمسائل تقررها الدولة نفسها في ضوء تلك الاعتبارات.. ! ** ونحن نعرف ان الدولة قد حددت موقفها من موضوع الجنسية كمسألة سيادية بحتة لا شأن لأحد مكونات المجتمع فيها ولا حق لأحد بأن يدلي بدلوه فيها.. وهو موقف طبيعي وموضوعي ومنطقي تملكه هي وحدها.. موقف ربطت من الدولة شرط الحصول على الجنسية وبين توفر الكفاءة وتحقق المصلحة والفائدة لمن تنطبق عليه سائر شروط الحصول على (الهوية الوطنية) من الناحية الإجرائية.. بعيداً عن الاجتهادات .. والاسقاطات والاعتبارات غير النظامية.. ** راجياً ألا يلتبس الأمر على البعض.. ويذهبون مذاهب أخرى في فهم كلام الشيخ الحصين المنشور على لسانه بإحدى الصحف المحلية.. وان كنت اتمنى ان يتوصل مركز الحوار الوطني إلى قواعد ثابتة وواضحة لا تسمح بالخلط بين الرأي الشخصي وبين الفتوى العامة حتى نصل إلى نتائج محددة إثر كل موضوع يطرح للنقاش ويؤدي في النهاية إلى مقررات قابلة للتبني والتطبيق بآليات عملية مازلنا ننتظرها حتى الآن. نقلا عن الرياض