أصعب مهام من يكتب ويحاضر حول استخدمات التقنيات الجماهيرية هو رسم منهج كتاباته ومحاضراته بين الواجب الحضاري للترويج للمنتجات التقنية التي جاءت إلى عصرنا لتسهيل حياتنا والموزانة بين ضرورة التوعية من نتائج واقع سوء توظيف هذه التقنيات التي قد تضر بالأمن النفسي والوجداني والثقافي عند من لديهم الاستعداد للانخراط في متاهات وغابات تطبيقات هذه المستحضرات الذكية. ونتذكر – ولم نتعلّم- حين وفدت الفضائيات الينا منتصف التسعينيات كيف ظهر بيننا حينها من ترك الأسرة والمنزل "متسدحا" في الاستراحات والمقاهي لاستراق ساعات من لذة استهلاك المحتوى الفضائي المفتوح الى الممانعة الاجتماعية مقاومته التي لم تفلح سلسلة التحذيرات الصاخبة في مقاومتها بل ادخلتها بكل قوة الى كل ركن من تفاصيل حياتنا. وبعد ذلك قدمت الانترنت نهاية التسعينيات فكان الصراخ والضجيج والمنع في استقبالها ولم نتقدم بحلول او برامج توعية تواكب حتميّة حاجتنا التاريخية الى الابحار في عالم المعرفة الجديد الذي بدت معه "فتنة" الفضائيات خجولة الشكل والمضمون. وهل تغير الحال مع الهواتف المحمولة وتطبيقاتها المذهلة مثل البلوتوث والكاميرات المدمجة ثم "البلاك بيري والآيفون" فيما بعد؟ ... الواضح في كل هذا أننا لم نتقن وزن طرفي معادلة "الاستخدام والجدوى" فكان أن حسمت مؤشرات التشبع من جهة وعدم الاكتراث من جهة أخرى الكثير من شئوننا مع التقنية دون فضل منا او تخطيط. أمّا في كثير من مجتمعات الدنيا فكان الحال مختلفا اذ كان الانشغال أكبر بمشروعات تخفيض تكلفة امتلاك التقنية وتسهيل توظيفها في المزيد من الخدمات التي نحج الوعي العام في اخراجها من مجرد اكسسورات اجتماعية ومظهرا من مظاهر التباهي والاختيال بطرازاتها والوانها الى منافع عصرية للتواصل الانساني والوصول للخدمات بأيسر الطرق وأقل النفقات. وهكذا تجد أنّك حينما تحذّر من بعض مظاهر التوظيف السلبي لهذه التقنيات يأتيك من يحتجّ كونه خارج هذه الدائرة. من جهة أخرى فحينما تتوسع في توضيح الامكانات الاتصالية والخدمات الكبيرة التي يمكن أن تقدمها هذه التقنيات تجد من يسرد عليك الشواهد والأمثلة ويطالبك بتحذير الناس من "شرور" هذه التقنيات بل ان هناك من حرم نفسه وغيره كثيرا من هذه التقنيات نتيجة سطوة هواجس الخوف والريبة على فوائدها وخدماتها. اليوم لدينا 11 مليون مستخدم لشبكة الانترنت وتئز في جيوبنا ملايين الجوالات (عدد المشتركين يزيد عن 44 مليون مشترك) ونحن هدف اكثر من 700 قناة فضائية عربية ومستعربة، فهل سمعتم عن جامعة وطنية تصدّت لمؤتمر يناقش ماذا نحتاج، وكيف نتعامل، وفي ظل كل هذه الجلبة هل وجدتم هيئة او مركز بحث ليدلنا بالبحث والتقصي العلمي الى اين نحن سائرون؟ نقلا عن الرياض