تُؤكِّد البحوث الاجتماعيّة في مُعظم مَضامينها على القول: بأنَّ الفرد كُلَّما قَلَّت عُقَده النَّفسيّة، كان أقدر على الانتفاع بقواه العقليّة، وبقُدراته الشعوريّة واللاشعوريّة..! إنَّ المَرء الذي امتلأت نَفسه بالعُقَد، والرَّغبات المَقموعة، يَصعب عليه مُعاملة النَّاس مِن حوله بشكلٍ إيجابي، لأنَّ قواه الخَارقة -الشّعوريّة واللاشعوريّة- لا تكون إذذاك نقيّة صافية، أو حُرَّة طَليقة في آليات عَملها، مِن هُنا فهي تَخلط وتَمزج بما يُجاورها ويَتضامنها مِن الأمراض والعُقَد، والعَواطف المُشوّهة، لتُفسد على صَاحبها الإنتاج السَّليم، وتُفوّت على حَاملها الكَشف المُستنير، وتُضيّع على مُمَارِسها الإنجاز الخلَّاق..! لقد وَصف المُؤرِّخون نَبي الهُدى -صلَّى الله عليه وسلم- بالفَراسة والفِطنة، (يُحسن اختيار أصحابه وأعوَانه، وهذا مِن أسباب نَجاحه العَظيم في حياته)، ويَبدو -والله أعلم- أنَّ فَراسته -عليه الصلاة والسلام- هَذه لم تَأته اعتباطًا، وإنَّما كَانت نَتيجة لنفسهِ الصَّافية المُطمئنة، التي لا تَحمل حقدًا، ولا ضَغينة على أحد..! إنَّ النَّفس الهَادئة النَّظيفة، تَتأمَّل الأشياء عَبر تَفاصيل النَّقاء والجَمال، ألم يَقُل سَلفهم الشّعري «إيليا أبي ماضي»: (كُن جَميلاً.. تَرَ الوجودَ جَميلاً)..؟! يَقول المُفكِّر «علي الوردي»: (إنَّ الفَرد المُعقَّدة نَفسه يَكره ويُحب على غير أساس صَحيح، إنَّه يَجري وَراء عَواطفه المَكبوتة، ولذا فهو لا يَستطيع أن يَفهم حَقائق النَّاس، أو يتغلغل في أعماق نفوسهم، إنَّه يَميل نَحو الأدنياء، ويَنفر مِن الأكفاء، متحفِّر بذلك قَبره بيده، ويَسعى إلى مَوته بقَدميه).. راجع (خَوارق اللاشعور) للوردي ص 40..! إنَّ شَاعرًا يُدعى «عنترة العبسي»، جاهلي، يَفترش الأرض، ويَلتحف السَّماء، أدرك هَذه النَّظرية بفِطرته، فقَال صَارخًا: لا يحملُ الحقدَ مَن تعلو به الرتبُ ولا ينالُ العُلاَ من طبعه الغضبُ * ومن بعد جاوبه الآخر قائلاً: لمّا صفحتُ، ولم أحقد على أحدٍ أرحتُ نَفسي مِن (همِّ العَدَاوَاتي)! إنَّ مَن يَحمل الحِقد واللؤم والحَسد، يَضر نَفسه قبل أن يَضر النَّاس، إنَّه يُعرقل سَبيل نَجاحه، ويَقمع الحَوافز المَدفونة في أعماقه.. لذا أمرنا الله -جلَّ وعزّ- أن نَأخذ (العفو)، ونُجادل بالتي هي أحسن، فلا يكفي أن تَصْفح، بل يَجب أن يَكون الصَّفح جَميلاً، حتَّى تَستدرج نَفسك (الأمَّارة بالسّوء) إلى مَنطقة (النَّفس المُطمئنّة)..!. [email protected] نقلا عن المدينة