قضاء المظالم أو القضاء الإداري من أهم ركائز العدالة. مرجعية هذا في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي بمختلف تفرعاته التخصصية . لعل ما يميز القضاء الاداري في بلدنا انه من افضل المؤسسات القضائية في عدالة كثير مما يحكم فيه من القضايا . لكن الذي اعتقده ان من اهم ما يحكم به قضاء المظالم في السعودية هو ما يصدر من احكام ضد الحكومة . فكم من قضايا كسبها مقاولون سعوديون وغيرهم ، نتيجة ما وقع من اخطاء او مظالم ازاء العقود والتنفيذ لمشروعات او تعويضات مختلفة . لم تتردد الاجهزة الحكومية من الانصياع للاحكام سواء اكتسبت القطعية من الدوائر الابتدائية في ديوان المظالم او تم تمييزها من دوائر التدقيق التي هي بمثابة محكمة تمييز. بل ان هنالك تعوضات مقابل املاك اقتطعتها المشروعات الحكومية تظلم اصحابها من قلة التقدير وتم الحكم لصالحهم . بل حتى اخطاء الجوازات حكم فيها بالتغريم لصالح من تظلموا ؟ القضاء الاداري – المظالم – يترافع امامه محامون محترفون محليا وعالميا . وفي ظني ان بعضا من قضاته قد تمرسوا في الاعمال الادارية والقانونية والفقه الدستوري اكثر من قضاة المحاكم الشرعية ، ولعل التدريب امر هام هنا , روى لي محام بارع في المرافعات ، نقلا عن رئيس ديوان المظالم د. الامين انه ممتن لكل من الاميرين نائف وسلمان بن عبد العزيز ِلأحكام اصدرها قضاة في الديوان ضد وزارة الداخلية وامارة الرياض نقضت قرارات ادارية ، وتم قبولها وتنفيذها وان الامير سلمان قد شكر قضاة في المظالم لما حكموا به ، وابدى سروره بالحكم وتنفيذه ما قادني لهذا المقال اليوم ، ما تداولته الانباء عن الافراج عن اشهر سجين في السعودية وهو احد التجار في جدة السيد الاجهوري الذي امضى في السجن 28 عاما على خلفية اخفاقات في مسارات مساهمات عقارية ، ولم يكن الرجل فريد زمانه في المساهمات العقارية ، ؟؟ ولست معنيا بالحكم وعدالته من عدمه لكني ممتن لتدخل هيئة حقوق الانسان للافراج عن الرجل ، بعدما علمت بقضيته ليتمكن وهو حر الارادة والتصرف ان يواجه من يدعي عليه حقا او باطلا فما جعل القضاء الا للعدل والانصاف . ورغم ما قضى الرجل من سنين خلف القضبان فلم يأت ذلك بجديد في انفراج ازمة الرجل ومن ساهم معه . وهنا فربما كان خطأ العدالة افدح من صوابها وحيث ان الاخبار قد توالت ايضا عن صدور احكام بالسجن والجلد ضد بعض المواطنين الذي سلمت لهم اموال من بعض المواطنين بهدف المرابحة والكسب السريع فيما عرف بمساهمات البيض والبطاقات الهاتفية واراضي وغيرهما . انا لست معنيا بالأحكام التي صدرت في شأن عدالتها ، لكن التساؤل المثار هو أنه لم يعلن من المحاكم العامة -حسب علمي -للجمهور المطالِب بالأموال لكي يتقدموا للمحاكم المختصة لإثبات ما يدعون به من حقوق في ذمة الذين جمعوا أموالا للمساهمات ، وسماع الادعاء والاجابة ومن ثم الحكم وفق ما يثبت لدى القضاء . وبعد هذا يأخذ القضاء الاداري و/ أو الشرعي إصدار أحكام تعزيرية بحق من كان منهم ضرر للمجتمع ممثلا في من تضرروا من سوء تصرف في الاموال او خلافه حتى من الذين سلموا اموالهم طواعية وإختيارا ؟؟ لكن الأحكام التي صدرت بالسجن عشرات السنين وآلاف الجلدات كانت أحكاما تعزيرية في قضايا لم يثتب بعد الحكم فيها بصحة إدعاء أو حيازة أموال .وهذا وفقا لما ينشر بين حين وآن عن بعض الذين يحاكمون حاليا ، وما دفعوا به من وجود شركاء لهم او رؤساء مجموعات ؟. وهذه الاحكام هي في منطق العدالة معيبة بعدم الاختصاص في إقامة تعزير لما لم يثبت بعد ان كان له مسبب بجرم يعاقب عليه بنص او باجتهاد القاضي في التعزير العدد وافرا لعدد في كل اطراف الوطن من المواطنين الذي جمعوا أموالا من بعض الأفراد بهدف المساهمة بالتكسب السريع واذا كان هنالك من أخطاء ادارية قانونية فإنها بلا شك تعود للاجهزة الحكومية التي لم تتحرك باكرا لمنع هذه الوسائل من البحث عن الاستثمار خارج القنوات الرسمية التي تخضع لقوانين سوق المال ووزارة التجارة ؟ فقد كان من غير العسير مراقبة التدفقات المالية على من قالوا للناس انهم موظفون للاموال ! لكن الصمت هو ما تم حتى تكاثر من ادعوا انهم موظفون للاموال ، واختلط الردي بالجيد فلم تعد تعرف المصداقية اين . وفي مناطق المملكة مساهمات لم يتخذ في شأنها شيء من اكثر من عشرين عاما واكثر ؟ من الناحية الشرعية والقانونية فان ما تم من تسليم اموال للموظِفِين أو من نابوا عنهم في مجموعات لا حجر عليه طالما انه قد تم برضي واختيار في إرادة حرة غير معيبة باكراه او خداع . لهذا فان من سلم أمواله هو مفرط ، عليه وزر ما فرط به وفيه . ولا شك ان من واجب الدولة والحكومة ضبط أمور المعاملات والتعاملات من خلال التشريع الدستوري حتى لا تؤخذ الاموال وتهدر الحقوق وتضيع الأمانات عجبت من حكم نشرته الصحف الورقية والالكترونية والمدونات ، ضد موظِف أموال من المحكمة الجزئية بسجن الرجل 13 عاما وجلده 1000 جلده ، وهذا في منطق الشرع حكم تعزيري ، لا بد له من وجود جريمة ، وهو ما افتقده الحكم فيما يبدو ! فما نشر وقيل على لسان محامين ان الرجل مسجون إنفراديا منذ القبض عليه من ستة أشهر . الرجل استدعي من سجنه الي المحكمة ليسأله القاضي أأنت جمعت أموالا من الناس ؟ فاجاب الرجل هذه المرة الاولي التي يمثل فيها أمام القضاء ومتفائل بالعدالة وان ما حوته الاوراق التي أمام القاضي من تحقيقات غير صحيحة ، فاجاب القاضي : لقد حكمت عليك بالسجن 13 عاما و1000 جلدة ؟ لكن المفزع في الامر ، ان الرجل المسجون ، قد كان سجنه انفراديا ومنع الزيارة عنه او توكيل محام ، تجاوزا لنظام المراقعات الشرعية التي اعطت حق التحقيق والتوقيف لهيئة التحقيق والادعاء العام . وفي زيارة لكاتب عدل الي السجن تمكن السجين من كتابة توكيل لمحام ترافع عنه ضد حبسه ، وبعد عدة مخاطبات من قبل ديوان المظالم لم تقبلالجهة المدعى عليها ندب من يقابل المدعي حسب النظام ، مما اضطر قضاء المظالم الي الحكم بنقض قرار الحبس والافراج الفوري عن الرجل . كان الحكم مسببا ان قضاء المظالم قد استقر على ان اي قرار اداري يصدر عن جهة تنفيذية يخضع لرقابة المظالم متي ما طعن فيه ؟ لاسيما وان التوقيف والتحقيق من الامور التي يترك تقديرها لجهة الادارة المعنية ، بل تم النص على مددها واجراءاتها بنصوص ملزمة ، يتعين على الجهة الادارية المعنية الالتزام بها . وان ما اقدم عليه من تقرير بالسجن معيب بعدم الاختصاص ، و تجاوز في الايقاف والتحقيق بل هو تجاوز يعد انحراف بالسلطة وتعسفا في ذلك صدر حكم قضاء المظالم ، لكن ما زالت الجهة الادارية المختصة لم تنفذ الحكم ! ايا كانت الاخطاء او الجرائم فان الشريعة ونظام الحكم قد ضمنا للانسان حق الترافع والتظلم مهما كانت درجة الجرم ، فعدالة إحقاق الحق خير من أخطاء العدالة التي قد تخلق بطلان استرداد الحقوق كما هو حال من سيحكم عليهم مستقبلا من المحاكم الشرعية دون اثبات لاي ادعاء او مخالصات تمت ! صحيح ان من اخذوا اموال الناس ، ولم يفوا بشيء منها ظلمة ، لكن لا تملك الصدع بهذا الا بعد سماع أحكام القضاء ، وامتثال الحكومة لاحكام القضاء . اخشى ما يخشى منه هو التناقض بين القضاء في بلادنا ، فكيف يحكم قضاء اداري بنقض قرار اداري ويحكم القضاء الشرعي على نفس الشخص بحكم مناقض ؟؟ هل الامر في حاجة الي المحكمة الدستورية العليا لتفصل في مدافعة الاختصاص ؟؟ ام لا بد من حسم من قبل ولي الامر نقلا عن ملحق الرسالة – جريدة المدينة