تمتلك مصر كنوز ضخمة من الثروات المعدنية التي ظلت طوال العقود الماضية لم تستغل الاستغلال الامثل، ومن أحد هذه الكنوز، الرمال السوداء، والتي أسأنا استغلالها في أعمال البناء مما ترتب عليه إهدار مليارات الجنيهات كقيمة للمعادن الاقتصادية في هذه الرمال السوداء، حتى جاءت القيادة السياسية الحكيمة والحريصة على مقدرات هذ الشعب، فكان القرار بمنع استخدام الرمال السوداء في البناء ومنع سرقتها وبدأت محافظة كفر الشيخ بالتعاون مع الشركة المصرية للرمال السوداء في تدشين عدة مصانع في محلة منيسى على مساحة 80 فدان وتستخدم تكنولوجيا استرالية لفصل المعادن الاقتصادية ومصنع اخر في البرلس على مساحة 30 فدان وتستخدم تكنولوجيا صينية لفصل وتركيز المعادن في الرمال السوداء بمنطقه برج البرلس التابعة لمركز بلطيم بمحافظة كفرالشيخ مما يوفر العديد من فرص العمل لأبناء المحافظة والمساعدة في جهود الدولة للحد من البطالة والهجرة غير الشرعية للشباب وزيادة الدخل القومي للبلاد لأكثر من 150 مليون دولار سنويا. فما هي حقيقة الرمال السوداء؟ ومتى بدأت دراستها بمصر؟ واهميتها؟ والصناعات التي تقام عليها وهل سوف تنتهي؟ ومتى ذلك؟ .... بدأت دراسة الرمال السوداء بمصر منذ 60 عام حيث بدأت الشركة العامة للرمال السوداء دراستها عام 1963 الي 1964 ثم هيئه المساحة الجيولوجية عام 1970 وعام 1987وهيئه المواد النووية من عام 1980 الي عام 1986 وتركزت الدراسات حول قرية أبوخشبة التي تقع علي بعد 6 كم شمال شرق مدينه رشيد, وتم حفر 71 بئر بعمق 20 متر. والرمال السوداء أتت من الجنوب من منابع نهر النيل وليست رواسب من البحر المتوسط كما كان يظن عامة الناس، لأنها لو كانت رواسب من مياه البحر المتوسط لوجدت على طول ساحل البحر المتوسط في مرسى مطروح والسلوم وسواحل دوله ليبيا وتونس وحتى المغرب وهذ ليس صحيحا، حيث لا توجد رمال سوداء بها. والرمال السوداء نتجت من تفتت الصخور النارية والمتحولة في هضبه إثيوبيا وبعض جبال البحر الأحمر في صحراء مصر الشرقية والتي تكونت بواسطة فيضانات نهر النيل منذ عدة الاف من السنين وتم ترسيبها على طول ساحل البحر المتوسط في عدد 11 موقع من مدينه رفح شرقا وحتى خليج أبوقير غربا لأكثر من 500 كيلومتر طولا ولكنها تتركز حول مصبات نهر النيل القديمة والحديثة وخاصة فرعى رشيد ودمياط. ويبلغ الاحتياطي الجيولوجي لرواسب الرمال السوداء في مصر حوالى مليار و100 مليون متر مكعب وتعد منطقه رشيد أكبر احتياطي من الرمال السوداء) تقريبا 500 مليون متر مكعب( ثم منطقه دمياط) 300 مليون متر مكعب ( ومنطقه بلطيم بكفر الشيخ) 200 مليون متر مكعب ( وشمال سيناء) تقريبا 100 مليون متر مكعب (بالإضافة إلى الاحتياطي العظيم في الأماكن الجديدة بمنطقه شلاتين -أبو رماد بساحل البحر الاحمربجنوب الصحراء الشرقية بمصروخليج العقبه ,وستكون مناطق جذب للمستثمرين والشركات العالمية والتي سيكون لديها احتياطي تشغيل لعده سنوات من الرمال السوداء السطحية والتحت سطحية ,فالشريط الساحلي للبحر الأحمر يحتوي علي المعادن الثقيلة مثل الحديد بالإضافة إلى المعادن النادرة مثل الذهب والفضة والبلاتين والعناصر الأرضية النادرة والمشعة وخاصه اليورانيوم والثوريوم. وجميع الرمال السوداء بمصر الان تكفي لتشغيل عده مصانع لأكثر من 30 عاما. ودور البحث العلمي والجامعات الان هو استكشاف أماكن جديدة للرمال السوداء بتقنية الاستشعار عن بعد والدراسات الجيوكيميائية والمعدنية. ونظرا لأهمية الرمال السوداء وانطلاقا من دور جامعة كفرالشيخ تحت قيادة الأستاذ الدكتور/ عبدالرازق الدسوقى رئيس الجامعة والأستاذ الدكتور/ حسن يونس نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث ودور الجامعة في خدمه المجتمع, فإن الفريق البحثى (الجيولوجيا التطبيقية) بجامعه كفر الشيخ والذى يرأسه الأستاذ الدكتور/ محمد زكى خضر والذى يضم علماء من اليابان, وزملاء من هيئة المواد النووية تخصص استشعار عن بعد مثل الدكتور رضا العرفي والأستاذ الدكتور هشام النحاس أستاذ المعادن الاقتصادية, وهذا الفريق قد أخذ على عاتقة عمل دراسة جيوكيميائية حديثة عن الرمال السوداء في شمال وجنوب مصر, وكانت هناك تسجيل أول رسالة ماجستير متخصصة في دراسة كيمياء المعادن الاقتصادية في الرمال السوداء في جامعه كفر الشيخ من الباحث /حماده زغلول عبد الرحمن احمد, أحد أبناء المحافظة والرسالة تحت عنوان: إستخدام الإستشعار عن بعد والبيانات الجيوكيميائية للكشف عن توزيع وأصل المعادن الثقيلة في بعض مواقع الرمال السوداء على طول السهول الساحلية والأودية عبر جبال البحر الأحمر، مصر. وقد تمت الدراسة بالتعاون مع قسم الجيولوجيا جامعه نيجاتا باليابان أثناء قيام الأستاذ الدكتور/ محمد زكى خضر بالمهمة العلمية عام 2019-2020, وقام سيادته باستخدام أحدث الاساليب والاجهزة العلمية مثل التحليل بالليزر والتحليل الالكترونى والحراري والتصوير بالميكروسكوب الالكترونى وذلك لتحديد نسبه كل معدن في الرمال السوداء وتركيز كل عنصر في ركاز المعادن وبناء عليه يمكن تحديد نسبه عنصر مثل الحديد في المعادن الاقتصادية مثل الماجنيتيت والهيماتيت وهي من اهم أكاسيد الحديد ومنتشرة في الرمال السوداء في كفر الشيخ وتتعدى نسبتها 50% من حجم المعادن الاقتصادية المفصولة من الرمال. واظهرت الدراسة ارتفاع تركيز المعادن في كفر الشيخ بالمقارنة بالجنوب، وتم رصد معادن الماجنيتيت والالمينيت والهيماتيت والروتيل والزركون والمونازيت والجارنيت والاسفين والليكوزين والكروميت والسلفيد والذهب والبلاتين والثوريت المشع والزينوتيم المشع والكاسيتيريت و البيرولوسيت (خام المنجنيز) والأباتيت والفلوريت والبيروكسين والامفيبول والبلاجيوكليز, بالاضاقة الى 17 عنصر من العناصر الارضية النادره في المونازيت والجارنت والزركون يمكن فصلها. وتعتمد الدراسة أيضا علي تقنيات الاستشعار عن بعد والمرئيات الفضائية في تحليل وتفسير البيانات المكانية بهدف اكتشاف مواقع جديده للرمال السوداء وتتبع مصادرها خصوصا في وديان جبال البحر الأحمر ومصبات الاودية والدلتا القديمة لنهر النيل, وتهدف الدراسة لاستكشاف مصادر جديدة, تستخدم عند نفاذ الرمال السوداء بالساحل الشمالى مما يضمن استمرار عمل المصانع لعشرات من السنين, والاهم هو مستقبل الرمال السوداء في جنوب الصحراء الشرقية والتي أكدت الدراسة انه توجد تركيزات عالية من معادن الحديد والزركون والروتيل والالمينيت في رمال الاودية وساحل البحر الأحمر' وتوجد الرمال السوداء عل عمق قد يصل الى 10 متر او أكثر, وقد نجحنا في تحديد عدد من الأماكن الجديدة بالقرب من مدينة الشلاتين وابورماد ومرسى علم وبرانيس بجنوب الصحراء الشرقية بمصر وتحتاج دراسات تحت سطحية وحفر ابار استكشافية لتحديد الاحتياطي من الرمال السوداء. وتشير النتائج الأولية للدراسة باستخدام تقنيه Energy Dispersive X-Ray Spectroscopy (EDS) وتحليل الميكروبروب الي إحتواء الرمال السوداء على نسب عالية من المعادن الاقتصادية وقد يصل في بعض العينات ان الكيلوجرام من الرمال السوداء يمكن فصل حوالى الثلث (200-300 جرام) منه معادن اقتصادية يمثل الالمينيت والماجنيتيت اكثر من النصف. وتوصى الدراسة بضرورة التصنيع وفصل الاكاسيد والعناصر فعلى سبيل المثال معدن الالمينيت الذي يحتوي علي عنصري الحديد والتيتانيوم بنسبه تصل في بعض المناطق الي 42% لكل منهما وصل سعر الطن الخام الي حوالى 150 دولارا , ولكن الأهم هو التصنيع لأنه يضاعف القيمة الى مئات المرات, حيث يصل سعر أكسيد التيتانيوم الى اكثر من 2500 دولار للطن اما فصل عنصر التيتانيوم الذي يدخل في صناعه الحديد والطائرات والصواريخ فيصل سعر الطن الى اكثر من 40 الف دولار ولذلك لابد من انشاء مصانع لفصل وتصنيع منتجات الرمال السوداء وليس تصديرها كمواد خام. وتقترح الدراسة البدائل العلمية عند نفاذ الرمال السوداء ولكى تظل تعمل هذه المصانع, فكانت دراسة خامات الحديد ويوجد أيضا عناصر نادره في صخور الجرانيت بالصحراء الشرقيه وبتركيزات عالية جدا ويقوم الفريق البحثي برئاسة الأستاذ الدكتور/ محمد خضر بدراسة وتقيم هذه العناصر الارضية النادرة بالصحراء الشرقية بمصر. ويتم أيضا فصل معدن الماجنتيت من الرمال السوداء بطريقه سهلة وبسيطة وغير مكلفة والتي تصل نسبه الحديد فيه من 75 الى 86 % ويقدر سعر طن الماجنتيت تقريبا ب 360 دولار للطن المطحون وتتضاعف هذى القيمة الى عدة عشرات من المرات اذا تم التصنيع وفصل الحديد الثنائي والثلاثي, ويدخل الماجنيتيت في صناعه حديد البليت والحديد الإسفنجي وحديد الزهر وسبائك الفيروتيتانيوم وصناعه أحبار الطباعه والراتنجات الصناعية وأنواع مختلفه من البوليمر وتخصيب وأزاله ملوحه التربة. كما ان معدن الزركون الذي يصل فيه نسبه الزركونيوم الي57% ويتراوح سعر الطن الواحد من 421 الي 650 دولار ومعدن الروتيل الذى يحتوي علي نسبه عاليه من التيتانيم تصل في بعض المواقع الي 70% ويتراوح سعر الطن الخام من 350 الي 414 دولار , ومعدن المونازيت الذي يصل سعره الي 1900 دولار للطن الخام نظرا لأنه يحتوي علي 17 من العناصر الأرضية النادرة والتى تصل الى 60% من حجمه مثل السيريوم واللانثانم والنيوديميوم والسماريم وعناصر مشعه مثل الثوريوم واليورانيوم وهي عناصر استراتيجية اسعارها مرتفعة للغاية وقد يصل سعر الكيلوا جرام الواحد لعشرات الاف من الدولارات, ولذلك لاعتماد اكثر من 50 صناعه الكترونية والهواتف الذكية عليها. والمونازيت المشع وهو مصدر إنتاج العناصر المستخدمة فى الصناعات العالية التقنية التى تعتمد أغلبها على الإلكترونيات، كما إنه مصدر للحصول على الثوريوم واليورانيوم الذي يصلح كوقود نووي. ويوجد في الرمال لسوداء ايضا معدن الكاستريت الذي يستخرج منه عنصر القصدير ومعدن الكروميت كمصدر لعنصرالكروم وصناعه سبيكة الفروكروميت التي تدخل في صناعة الحديد والصلب والسبائك مقاومه الصدأ وتستورد مصر سبائك كل عام بملاين الدولارات مثل سبيكة الفيرومنجنيز والفيروتيتانيوم و الفيروكروم (عالية ومنخفضة الكربون) و الفيروفاناديوم و الفيرونيكل ويمكن تصنيعا جميعا من عناصر ومعادن الرمال السوداء. وقد اظهرت الدراسة ولأول مره وجود نسب من الذهب الحر والبلاتين في بعض المواقع على ساحل البحر المتوسط وبنسب قليله لانها بعيدة عن مصدر تكونها. ولكن حبيبات الذهب الحر كانت عالية في رمال الاودية بالبحر الاحمر وعلى ساحل البحر الأحمر وقد يصل من نصف الى جرام ذهب في كل طن رمال كما في الصور المرفقة. ونأمل في المستقبل القريب ان يتم بناء مصانع لفصل العناصر النادرة المنتشرة في الرمال السوداء والذى يصل الطن لعنصر اللوتيتيم Luحوالى 100 الف دولار, ويمكن فصلة من معدن المونازيت والذى يحتوى على 60% من تكوينة من العناصر الأرضية النادره وبعض من الثوريوم واليورانيوم اذا تم فصلها سيباع الطن بأكثر من 100 الف دولار بدل سعر 2000 دولار للطن الخام, ونوصى بفصل وتصنيع العناصر الأرضية النادرة وهى 17 عنصرا تشمل سلسلة اللانثانيدات و عنصري السكانديوم و الايتريوم وتعتبر العناصر النادرة كنزاً طبيعياً لأي دوله في العالم ويتضح ذلك من اعتبار الصينواليابان وامريكا أنها تمثل أمناً قومياً بالنسبة لاقتصادهم وظهرت من خلال الحرب الاقتصادية الأخيرة بين الصين وامريكا بسبب شركه هواوى, ومنعت الصين توريد العناصر النادرة فهي حيوية لغالبية الصناعات التكنولوجية الحديثة مثل أجهزة الحاسب الآلي، الاتصالات، تكنولوجيا الطاقات النظيفة كتوربينات الرياح والسيارات الهجينة ، صناعة السبائك السوبر وفى المجال العسكري مثل تكنولوجيات الدفاع المعتمدة على العناصر النادرة والبصريات والمسح والحماية وأجهزة الارسال والاستقبال بالسونار والاتصالات بالموجات الميكروية وأجهزة الليزر والطائرات ، وتستخدم في بطاريات النيكل الهجينه القابله لإعادة الشحن. كما تدخل العناصر الأرضية النادرة في صناعة الألياف البصرية والليزر والبصريات، الهواتف الذكية، المغناطيسات، المحفزات وتكرير البترول، السبائك المعدنية، السيراميك، والفوسفوريات, ولذلك لابد من فصل العناصر في المعادن الهامة فعلي سبيل المثال معدن الروتايل يحتوي الطن (سعر الطن الخام 400 دولار) منه علي 650 كيلوجرام تيتانيوم وسعر طن التيتانيوم حوالى 40 الف دولار بعد فصله من الروتايل, اى تضاعف السعر 100 مره اذا تم الفصل والتصنيع, لان التيتانيوم يدخل في صناعه الطائرات وسفن الفضاء والصواريخ والمفاعلات النووية وهياكل الدبابات وهوم عنصر خفيف الوزن وذو مقاومه عالية للتأكل ومقاوم لدرجات الحرارة والضغط العالى للغاية , ولذلك يمكن الاستفادة من استخلاص التيتانيوم بدلا من ان يباع الالمينيت او الروتيل كخام بسعر رخيص. ولذلك نوصى ببناء مصانع تقوم على فصل العناصر وتصنيع المواد الخام من الرمال السوداء بدل من تصديرها كمواد خام, لما توفره تلك الصناعة من عملات أجنبية صعبة وسد العجز فى احتياجات السوق المحلية. وتقوم علي معادن الرمال السوداء الكثير من الصناعات ويعتبر معدن الروتيل المادة الأساسية في صناعه البويا والاصباغ والسيراميك والورق والبلاستيك والبورسلين والزجاج وإنتاج التيتانيوم، والماجنتيت الذى يستخدم فى صناعة الحديد الإسفنجي وتغليف أنابيب البترول والحديد والصلب ومعدن الزركون يستخدم فى صناعة السيراميك والعوازل والخزف والأسنان التعويضية، كما يستخرج من معدن الزركون عنصرالزركونيوم والذى يصل سعر الطن 150 الف دولار, ويستخدم فى صناعة أغلفة الوقود النووى نظرا لقدرته العالية على امتصاص النيترونات ، ويمتاز بصلادته الشديدة، وقدرته على تحمّل درجات الحرارة العالية حتى1857مئوية ولذلك يدخل في صناعة الصواريخ وسفن الفضاء والاقمار الاصطناعية والات القطع السريع وانابيب المحركات والصناعات الالكترونية المتقدمة و ويستخدم ايضا فى العديد من الصناعات النووية والاستراتيجية الأخرى نظرا لخواصه الحرارية المتميزة وقد يحتوى على نسبة عالية من الوقود النووي مثل اليورانيوم والثوريم، ومعدن الجارنت الذي يستخدم فى صناعه البتروكيماويات وصناعة فلاتر المياه والصنفرة والات القطع والبلاستك وبعض الأنواع تستخدم كأحجار كريمة. أ. د .محمد زكي خضر استاذ الجيولوجيا كليه العلوم- جامعة كفر الشيخ, حاصل على جائزة الدولة فى العلوم الجيولوجية 2016 و حاصل على نوط الامتياز من رئيس الجمهورية اغسطس 2017