شكلت أزمة انتشار فيروس كورونا حول العالم كارثة غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مما أصاب البشرية بصدمة كبيرة وحولنا إلى "واقع جديد" على مختلف الأصعدة وفي كافة المجالات، وعلى رأسها الاقتصاد العالمي الذي يعيش فترة دقيقة اليوم في ظل الانكماش الحاصل بسبب تفشي كوفيد - 19 بسرعة حول العالم. لقد بات واضحاً اليوم أن تداعيات هذه الأزمة لن تزول بسهولة، وأن عواقبها سترافقنا لفترة طويلة نوعاً ما، مما سيؤثر على مسار الأفراد والشركات والدول بشكل كبير خلال السنوات القليلة القادمة، ويستوجب إعادة وضع استراتيجيات جديدة وتحديد توجهات مختلفة بهدف تحقيق الاستمرارية والنمو وتعزيز التواصل مع جميع أصحاب المصالح. كما يتوجب على الشركات اليوم وضع خطط اقتصادية بناءة تتناسب مع متطلبات المرحلة القادمة، وذلك لمواجهة الأزمات التنظيمية وإتمام عملية الانقاذ بأفضل طريقة ممكنة. ولم تقتصر الأزمة على الشركات الكبرى فحسب، حيث امتد تأثيرها على الشركات العائلية نتيجة اختلال التوازنات التعاقدية لديها، الأمر الذي خلق مخاوفاً كبيرة من المستقبل، وبات يتسم بضبابية كبيرة وصعوبة في تحديد التوقعات. وللخروج من الأزمة، ستحتاج الشركات الى تعزيز التعاون مع الحكومة والقطاع العام، وتطبيق قواعد الحوكمة في اتباع كيفية تحقيق ترتيب البيت الداخلي وتفعيل دور مجلس الإدارة من خلال عقد الاجتماعات الأسبوعية، إضافة إلى تفعيل دور مجلس الشركاء وتعزيز الرقابة والشفافية لمراقبة الأداء وتطويره بشكل متكامل. إن الأزمة الصحية الراهنة والتدابير الوقائية المتبعة مؤخراً قد شكّلت جرس إنذار لتحذير الشركات وتذكيرها بضرورة تسريع وتيرة التحول الرقمي وتبني أحدث التقنيات والتكنولوجيا القائمة على الابتكار والابداع، لتفعيل عملها وقدراتها على الصمود والمواجهة ومتابعة عملياتها بشكل طبيعي عن بُعد في أوقات الأزمات. وفي هذا السياق، استفادت متاجر ومنافذ البيع بالتجزئة التي استثمرت في التقنيات الرقمية وأتمتة عملياتها، من أزمة فيروس كورونا المستجد "كوفيد – 19"، التي أجبرت الناس على البقاء في منازلهم، وطلب كافة مستلزماتهم عبر الانترنت. أما الشركات التي لم تواكب متطلبات التحول الرقمي واجهت العديد من الصعوبات التي أعاقت تقدمها واستمرارية أعمالها وأوقعتها في عجز كبير نتيجة انكماش الاقتصاد وبطء العجلة الاقتصادية نتيجة الحجر المنزلي وإجراءات حظر التجول. كما أثبتت التكنولوجيا الرقمية المبتكرة أنها تمتلك القدرة على إيجاد الحلول المتكاملة التي تضمن استمرارية تجارة التجزئة التقليدية والإلكترونية، إلا أنها تحتاج لتطوير الخطط والاستراتيجيات طويلة الأمد لضمان تنفيذها بشكل متكامل للحصول على أفضل النتائج في المدى المنظور والبعيد، وليصبح قطاع التجزئة التقليدي قادراً على مواكبة تقدم تجارة التجزئة الإلكترونية. كما يتوجب على الشركات العاملة ضمن قطاع التجزئة، تسريع عمليات الأتمتة لمواكبة توجهات المتسوقين وتطلعاتهم، لا سيما فئة الشباب منهم الذين أصبحوا اليوم يفضلون الحلول الرقمية المبتكرة عوضاً عن الطرق التقليدية المعتمدة سابقا. ففئة الشباب السعودي اليوم تتميز بمعرفة تكنولوجية كبيرة وهي باتت فئة متمرسة في عمليات الشراء والدفع عبر الإنترنت، حيث هناك انتشار واسع للهواتف الذكية والأجهزة المحمولة الأكثر تطوراً حول العالم. لذلك، بات الاعتماد على التكنولوجيا والمنصات الإلكترونية حاجة ماسة لدى الشركات لضمان استمرارية أعمالها في ظل التغيرات المتسارعة التي نشهدها اليوم، والتي أثبتت أن التحول الرقمي ليس نهجاً اختيارياً، بل هو ضرورةً حتمية لتحقيق النمو والحضور المستدام في السوق، أثناء هذه الأزمة وبعد انتهائها. وأظهرت الوقائع الأخيرة أن الشركات التي تبنَّت نهج التحول الرقمي وأتاحت تقديم خدماتها عبر الوسائط الإلكترونية، استطاعت تحقيق الأفضلية التنافسية ومواجهة التحديات التي أنتجتها أزمة كورونا الصحية حول العالم، حيث قامت تلك الشركات بتعزيز عمليات التواصل مع العملاء من خلال منصات التواصل الاجتماعي ومختلف الوسائط الإلكترونية. وبالرغم من اعتقاد بعض الشركات أن عملية التحول الرقمي ما هي إلا ضرورة ظرفية ستتبدد مع انتهاء الأزمة، إلا أن الوقائع أثبتت عكس ذلك، حيث أن فعالية ومرونة الحلول الرقمية قادرة على فتح آفاق جديدة لتطوير الأعمال وتحقيق النمو المستدام، الأمر الذي جعل العلامات التجارية الكبيرة العاملة ضمن قطاع التجزئة في المملكة العربية السعودية والمنطقة بشكل عام، تسارع إلى تبني مبادرات التحول الرقمي أو التوسع فيها، بهدف تقديم أفضل الخدمات والمنتجات ذات القيمة المضافة للعملاء. وهذا ما سيغير خارطة الإنفاق الكلي لدى الشركات وفقاً لحجمها ومدى انتشارها، وسيعزز اعتمادها على تطبيقات التكنولوجيا الحديثة لضمان استمرارية أعمالها وتوفير البدائل الفاعلة لمنهجيات العمل التقليدية والتي كانت معتمدة ما قبل أزمة فيروس كورونا.