يحتل مشعر منى مكانة خاصة في قلوب الحجاج، كون النصيب الأكبر له من أيام الحج، إذ يبدأ توافد ضيوف الرحمن إليه في اليوم الثامن لقضاء "يوم التروية"، كما يتواجدون في منى خلال أيام التشريق لرمي الجمرات الثلاث. مشعر منى بالكسر والتنوين في درج الوادي الذي ينزله الحاجُ ويرمي فيه الجمار من الحرم، وهي بليدة طولها ميلان، تقع بين مكةالمكرمة ومشعر مزدلفة على بعد سبعة كلم شمال شرق المسجد الحرام، وهو مشعر داخل حدود الحرم يبلغ مساحته 8.16 كلم2، بما فيها السفوح الجبلية، ووادي منى تقدر مساحته بحوالي أربعة كلم2، أي نصف المساحة الكلية لمنى عدا السفوح الجبلية، وقد شملت الطرق والجسور وباقي الخدمات حوالي 40 في المئة من هذه المساحة، فعلى ذلك يتضح أن المساحة المتبقية التي أقيمت بها خيام الحجاج في حدود 2.5 كم2، وقد وضعت علامات على وادي محسر تشير للقادم من مزدلفة إلى منى مكتوب عليها "نهاية المزدلفة" و"بداية منى"، وللقادم من منى في اتجاه المزدلفة تشير العلامات إلى "نهاية منى" و"بداية المزدلفة". سبب التسمية منى عبارة عن وادي تحيط به الجبال من الجهتين الشمالية والجنوبية، ولا يُسكَن إلا خلال أيام الحج إذ فرغ من السكان وخصصت المساحات للخيام، ويحَدّ مشعر منى من جهة مكةالمكرمة جمرة العقبة، ومن جهة مشعر مزدلفة وادي محسر، واختلف المؤرخون حول سبب تسمية منى بهذا الاسم، إذ رأى البعض بأنها أتت لما يراق فيها من الدماء المشروعة في الحج، وقيل لتمني آدم فيها الجنة، ورأى آخرون أنها لاجتماع الناس بها، والعرب تقول لكل مكان يجتمع فيه الناس مِنى. وبمنى رمى إبراهيم عليه السلام الجمار، وذبح فدية لابنه إسماعيل عليه السلام، وفيه قال الله عز وجل: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ"، وبمنى نزلت سورة النصر أثناء حجة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم، وتمت في هذا المشعر بيعة الأنصار المعروفة ببيعتي العقبة الأولى والثانية إذ بايعه عليه الصلاة السلام في الأولى 12 شخصاً من أعيان قبيلتي الأوس والخزرج، فيما بايعه في الثانية 73 رجلاً وامرأتان من أهل المدينة وكانت قبل هجرته عليه أفضل الصلاة والسلام إلى المدينةالمنورة. يوم التروية ويقضى الحاج بمنى يوم التروية ويستحب المبيت في منى اقتداءً بسنة محمد صلى الله عليه وسلم، وسمي بيوم التروية لأن الناس كانوا يرتوون فيه من الماء ويحملون ما يحتاجون إليه، ويصلي الحجاج من غير أهل مكة الظهر والعصر والمغرب والعشاء قصرًا بدون جمع، ويسن المبيت في منى، ويعود الحجاج إلى منى صبيحة اليوم العاشر من ذي الحجة بعد وقوفهم على صعيد عرفات الطاهر يوم التاسع من شهر ذي الحجة ومن ثم المبيت في مزدلفة، ويقضون في منى أيام التشريق الثلاثة لرمي الجمرات الثلاث مبتدئين بالجمرة الصغرى ثم الوسطى ثم الكبرى، ومن تعجل في يومين فلا إثم عليه، وحدَّ العلماء قديمًا منى بحدود الجغرافيا الطبيعية بالمكان، بالجبال والأودية والمعالم الطبيعية المحيطة، فقد ذكر الفاكهي في حدود منى عن عطاء بن أبي رباح قوله: حدُّ منى رأس العقبة ممّا يلي منى إلى المنحر، وقال الإمام الشافعي: ومنى ما بين العقبة - وليست العقبة من منى - إلى بطن محسر، -وليس بطن محسر من منى-، وسواء سهل ذلك وجبله فيما أقبل على منى، فأمّا ما أدبر من الجبال فليس من منى". رمي الجمرات وفي منى يرمي الحاج الجمرات الثلاث، والجمرة موضع رمي الجمار بمنى، وهي ثلاث جَمَرات يُرمين بالجِمَار، والجمار ثلاث الجمرة الأولى والوسطى، وهما قرب مسجد الخيف مما يلي مكة، والجمرة الكبرى وتسمى جمرة العقبة، وهي في آخر منًى مما يلي مكة، والجمرات هي ثلاثة مواقع متقاربة في خط مستقيم إذ يقوم الحجاج برمي هذه الجمرات طاعة لله؛ إذ تعد من واجبات الحج التي جاء بها الشرع المطهر، واقتداءً بفعل إبراهيم عليه السلام. ومن أشهر معالم منى مسجد البيعة الذي ظل شامخاً طوال الأعوام التي مضت، وبناه أبو جعفر المنصور عام 144ه في ذات المكان الذي عقدت فيه بيعة العقبة الأولى وبيعة العقبة الثانية، ويقع المسجد في الشمال الشرقي لجمرة العقبة على بعد حوالي 300 متر، وأمر المنصور ببنائه إحياءً لذكرى البيعة العظيمة التي شهدها العباس بن عبدالمطلب جد الأسرة العباسية، وأجريت لهذا المسجد عدة تجديدات بعد ذلك، من أهمها عمارة الخليفة العباسي المستنصر بالله له عام 625ه، والمسجد حاليا يتكون من رواق قبلة تهدم سقفه، وصحن مكشوف في مؤخرته بنهايته مصطبة ترتفع عن الأرض بمقدار متر واحد. ومن معالم منى مسجد الخَيْف، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(في مسجد الخيف قبر سبعين نبياً)، ويعد مسجد الخيف مصلى الرسول صلى الله عليه وسلم في منى، وقد حدد مكان صلاة الرسول في مسجد الخيف عند الأحجار التي تقع بين يدي المنارة، وهي موضع مصلى النبي، وقد كان هذا المكان معروفاً في القبة التي في وسط المسجد، ويقع هذا المسجد في سفح جبل منى الجنوبي بالقرب من الجمرة الصغرى. تنمية منى ونال مشعر منى نصيباً غير عادياً من اهتمام حكومتنا الرشيدة، فمع تزايد عدد الحجاج عاماً بعد آخر اهتمت الجهات المعنية بخدمة ضيوف الرحمن في المملكة بتذليل الصعوبات الناجمة عن هذه الحشود المتزايدة، وإتاحة رمي الجمرات الثلاث بشكل مريح وآمن، وتم بناء أول جسر للجمرات من دورين في عام 1975م لتسهيل رمي الجمرات، لكن مع زيادة أعداد الحجاج ومايحدث من تدافع ووقوع للضحايا، أصبح هذا الجسر لا يكفي لاستيعاب الأعداد المتزايدة كل عام، لذا قررت المملكة هدم الجسر بعد أداء مناسك الحج عام 2006م، واستبداله ببناء منشأة جديدة للجمرات متعددة الأدوار، لاستيعاب أعداد أكبر من الحجاج، وتسهيل عملية رمي الجمرات وانسيابيتها بأمن وسلامة. ويبلغ طول جسر الجمرات الجديد 950 متراً وعرضه 80 متراً، ويتألف من خمسة طوابق يبلغ ارتفاع كل طابق 12 متراً، وله 12 مدخلاً و12 مخرجاً من الاتجاهات الأربعة، بالإضافة إلى منافذ للطوارئ على أساس تفويج 300 ألف حاج في الساعة، كما يشتمل على كاميرات مراقبة تعمل باستمرار في جميع أنحاء المنشأة وفي منطقة تدفق الحشود، لتسهم في مراقبة حركة الحجاج، ونقل صورة مباشرة لمساعدة الفريق المساند للجسر، وتعزيز السلامة، وتوفير الخدمات الطبية العاجلة عند الحاجة، كما يوجد مهبط للطائرات المروحية لحالات الطوارئ، ويحتوي مشروع جسر الجمرات أيضاً على نظام تكييف، معزز برشاشات مياه تساعد على تلطيف الجو والتقليل من درجة الحرارة إلى حوالي 29 درجة مئوية، وفي المستوى الخامس من المنشأة تمت إضافة مظلات كبيرة لتغطية كل موقع من مواقع الجمرات الثلاثة، وذلك لتعزيز راحة الحجاج وحمايتهم من أشعة الشمس. واستمر العمل بهذا المشروع عدة سنوات مع اتخاذ كل الاحتياطات اللازمة لكي لا تؤثر عملية البناء على حركة أداء المناسك خلال فترة تجهيز الموقع والبناء، ويعتبر المشروع للحاضر والمستقبل، إذ صمم جسر الجمرات لتلبية احتياجات الحجاج الحالية والمستقبلية ليصل إلى 12 طابقاً، إذ من المتوقع أن يستخدمه ما يزيد على 5 ملايين حاج سنوياً في المستقبل، وحصل مشروع الجسر على جائزة أفضل مشروع في خدمة الحجاج "جائزة مكة للتميز عام 2008م". ومن المشاريع الضخمة في منى مشروع خيام منى المطورة، إذ يعتبر أحد أكبر المشروعات التي تم تنفيذها في المشاعر المقدسة لخدمة وراحة الحجاج، وتحقيق المزيد من الأمن والسلامة لهم، تستوعب الخيام 2.6 مليون حاج، وتم الاعتماد على الأنسجة الزجاجية المغطاة بالتفلون في نسيج الخيام، لمقاومتها العالية للاشتعال وعدم انبعاث غازات سامة منها، إلا في درجات حرارة عالية، ووضعت عدة معايير لاختيار الشكل الأنسب، روعي فيها ملاءمة الشكل المعتمد للطابع الإسلامي، واستعمال أفضل التقنيات الحديثة بالتصنيع والتنفيذ، كما تمت دراسة الأشكال الممكنة لهذه الوحدات، وكيفية تجميعها بما يحقق الاستفادة القصوى من الأراضي المتاحة في منى، مع مراعاة أسس الأمن والسلامة، والملائمة للمحيط العام، ووظيفة المخيمات، فقسمت كل قطعة أرض إلى عدة مخيمات، تحدها أسوار مرتبطة ببعضها بممرات متناسقة، إذ يشكل كل مخيم جزءاً من قطعة الأرض المحاطة بالممرات، مشتملة على الخدمات العامة. خيام مطورة ويوجد في وسط المخيم مجموعة من دورات المياه والمواضىء، وعند المدخل خيمة مخصصة للمطوف، بجانبها تجهيزات توزيع الطاقة الكهربائية والمطبخ، وبجانبه مكب النفايات، وتمت إحاطة كل مخيم بأسوار معدنية تتخللها أبواب رئيسية وأخرى للطوارئ، يسهل فتحها من داخل المخيم، كما يتخلل المخيم ممرات تم رصفها وإنارتها وتزويدها بإشارات تدخل على مجموعات الخيام، ومخارج الطوارئ وغيرها من الخدمات، وروعي في هذه الخيام أن تكون مقاومة للعوامل المناخية، كالعواصف والرياح، ومرونة أجزائها للتشكيل والتركيب، واتخذت إجراءات لتوفير الأمن والسلامة من أخطار الحريق، إذ أنشئت شبكة لإطفاء الحريق، مكونة من فوهات رئيسة للحريق بالشوارع، وشبكة متكاملة لمياه إطفاء الحريق في مختلف أنحاء منى، وإنشاء خزانات خاصة لمياه الحريق على شكل أنفاق بأعلى الجبال بمنى، تغذي شبكة إطفاء الحريق بأقطار مناسبة مع ما يلزمها من محابس وقطع، ويشتمل مشروع الخيام على شبكة للتكييف وخراطيم للمياه داخل المخيمات، وصناديق يحتوي كل منها على خرطوم مع طفايات للحريق موزعة بالممرات داخل المخيم للاستخدام عند الحاجة حتى وصول الدفاع المدني، وقد زوّدت كل خيمة برشاشات للمياه تعمل بشكل تلقائي بمجرد استشعارها للحرارة، وبمجرد انبعاث المياه من هذه الرشاشات يتم صدور صوت جهاز الإنذار في خيمة المطوف، للتنبيه إلى الخطر، كما تشتمل الخيام على طفايات للحريق.