مع تردي الأوضاع الأمنية، أصبح إيجاد سيارة أجرة في العاصمة السورية دمشق أمراً بالغ الصعوبة. ومع حلول المساء يصبح مرور سيارة أجرة نادراً جداً في وقت يسجل ضعف في حركة المرور بشكل عام بما في ذلك في المناطق التجارية والأحياء الأهدأ نسبياً. هذا مقابل معاناة أخرى تشهدها شوارع دمشق في ساعات الذروة النهارية تتلخص في الازدحام الخانق تزيده حدة الحواجز العسكرية التابعة للجيش السوري على مداخل الشوارع والأحياء الرئيسية. فاطمة (26 سنة) موظفة في شركة استثمارات مالية تبدي غضبها وامتعاضها. فبعد أكثر من ربع ساعة من انتهاء دوامها كانت لا تزال عاجزة عن إقناع سائق سيارة أجرة في أن يقلها إلى منزلها. وتقول: «المسافة بين مكان عملي والبيت لا تستغرق أكثر من عشر دقائق كحد أقصى ولا يوجد سوى حاجز واحد قبل بلوغ العنوان وهو لا يفتش السيارات دائماً». وعلى رغم أن المسافة بين مقر عمل فاطمة في منطقة «التجهيز» في قلب دمشق وحي «المالكي» حيث تقطن لا تتعدى خمسة كيلومترات، تجاهل ثلاثة سائقي سيارات أجرة إشارة يدها بالتوقف على رغم أنهم لا يقلون زبائن آخرين. أما الرابع الذي تفاءلت به خيراً بعدما توقف لثوان أمامها عاد ورفض إيصالها بمجرد معرفته وجهتها. قاسم (28 سنة) يعاني بدوره مشكلة مشابهة. ويوضح الموظف في مصرف خاص في ساحة «السبع بحرات» وسط دمشق معضلته اليومية: «ضغط العمل يضطرني إلى البقاء حتى وقت متأخر نسبياً في المصرف، فيصبح العثور على سيارة أجرة للعودة للمنزل مهمة مستحيلة». ولغاية الصيف الفائت لم يكن قاسم يعاني هذه المشكلة، فالأوضاع الأمنية كانت أفضل نسبياً، وساعات النهار كانت أطول، حيث يترافق حلول الظلام مع عودة السائقين إلى منازلهم، كما أن ازدياد حالات الخطف أخيراً في دمشق أثر في حركة المرور المسائية، عدا عن تردي الأوضاع الأمنية في أطراف العاصمة السورية وضواحيها. ودفعت ندرة السيارات وغلاء أسعار الوقود السائقين إلى رفع أجورهم. ويقول قاسم إن العودة إلى المنزل كانت تكلفه نحو خمسين ليرة سورية فيما أصبحت تكلفه الآن ضعف هذا المبلغ «إن عثر على سيارة». سفانا (30 سنة) تستقل سيارة أجرة خلال ساعات الظهيرة كزبون ثان أو ثالث أحياناً، أي أنها تشارك ركاباً آخرين في ظاهرة لم تكن مألوفة جداً في دمشق. وتلفت الموظفة في القطاع العام إلى جملة من المشاكل التي تواجهها يومياً ومنها «رفض السائقين الذهاب إلى الضواحي وامتناع معظمهم عن تشغيل العداد وطلب البعض أسعاراً خيالية في الليل والانتظار الطويل الأمد من أجل سيارة بلا زبائن». وتشير سفانا إلى أنها تنتظر أحياناً نحو نصف ساعة قبل أن يقبل سائق نقلها إلى حي «المهاجرين» الهادئ نسبياً لكنه قريب من القصر الرئاسي. ووفق إحصائية صادرة عن المكتب المركزي للإحصاء في سورية نهاية عام 2010، تجوب أكثر من 42 ألف سيارة أجرة مدينة دمشق، ونحو 4 آلاف أخرى مناطق ريف دمشق، إلا أن من الصعب التحقق من دقة هذه الأرقام في الظروف الحالية، وبخاصة مع تعرض عدد كبير من السيارات للدمار وعزوف كثير من السائقين عن العمل. وفي المقابل يدافع السائقون عن تصرفاتهم تلك بالهاجس الأمني. ويقول أيمن (28 سنة) إنه غير مستعد للذهاب إلى ريف دمشق «تحت أي ظرف»، كما أنه لا يذهب إلى عدد من أحياء دمشق ك «نهر عيشة» و»القابون» و»برزة البلد»، لأن هذه الأحياء تشهد اشتباكات متقطعة بين قوات النظام وعناصر «الجيش الحر» مؤكداً أنه يقبل أي طلب آخر داخل دمشق. لكنه يعود ويستدرك: «مشكلتي في المناطق التي تعاني الازدحام، حالتي النفسية تتعب عندما أقف على حاجز اكثر من ساعتين». زميله أبو أحمد (33 سنة) ينفي انتقائية السائقين في قبول الطلبات، ويوضح: «المشكلة أن معظم طرق البلد إما مغلقة أو عليها حواجز تسبب الازدحام، لا مشكلة لدي في الذهاب إلى أي مكان داخل دمشق، وحتى إلى بعض الضواحي، شرط أن تكون من المناطق الهادئة وخلال النهار». لم يجد كل من قاسم وفاطمة حلاً لمشكلتهما إلا بالعودة إلى المنزل سيراً على الأقدام. «أصبحت أمارس رياضة المشي بطريقة إجبارية»، تقول فاطمة من دون أن تنتظر سيارة لكن هذا الحل لا يمكن الجميع تطبيقه في مدينة كبيرة مثل دمشق لتصبح المعاناة مع سيارات الأجرة من روتين الحياة اليومية. * ملاذ الزعبي