عقدت بالعاصمة المصرية القاهرة مؤخراً أول ورشة عمل من نوعها لوضع تصور شامل لدور الصيدلي في منظومة الرعاية الصحية المتكاملة ومناقشة العلاقة بين الصيدلي والمريض وكيفية الإستفادة من دور الصيدلي كأول خط دفاع يبدأ به المريض وينتهي عنده، وقد دعي لورشة العمل التي استمرت على مدار يومين واستضافتها شركة فايزر للأدوية أكثر من مائة صيدلي من المملكة العربية السعودية يمثلون العديد من مؤسسات الرعاية الصحية ومستشفيات القطاعين الحكومي والخاص، وتحدث في هذه المناسبة أكثر من ثمانية محاضرين من كبار المتخصصين والأكاديميين الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية في مجال الرعاية الصحية من المملكة العربية السعودية وبريطانيا وجمهورية مصر العربية. وكان من أهم المواضيع التي نوقشت في ورشة العمل، اقتصاديات الرعاية الصحية، حيث كشفت احدى ورقات العمل التي قدمت عن دراسة حديثة تؤكد أن العائد على الإستثمار لكل دولار امريكي في قطاع الرعاية الصحية يصل إلى 14 دولاراً، وألقى البروفيسور عزالدين الدنشاري، وهو واحد من كبار الاكاديميين في علم الصيدلة على مستوى العالم العربي، محاضرة قيمة تناول فيها سلامة المريض والمشاركة الفاعلة للصيدلي كعنصر اساسي وفعال في الخطط العلاجية وتحديد نوع العلاج وشرح الآثار الجانبية وكيفية تفادي التفاعلات الدوائية مع أنواع الغذاء أو الأعشاب المخلتفة أو حتى مع الأدوية التي قد يتناولها المريض للحصول على أعلى مستوى فعالية للدواء، كما عرضت الاستاذ دكتور/ أماني عايد، أحدث القواعد الارشادية العالمية في علاج الآلام، حيث أوضحت الدكتورة أماني أن أحدث الدراسات والأبحاث العلمية عرفت مفهوم الصحة المتكامل بأنه العافية في النواحي البدنية والعقلية والنفسية والاجتماعية، وكما هو معروف أن الألم من أصعب الأعراض والأمراض التي تمس حياة المريض بدرجة كبيرة وتؤثر عليه بدنياً واقتصادياً وأسرياً واجتماعياً وكذلك تؤثر أيضاً على مشاعره وحالته المزاجية مما يترتب عليه ضعف الإنتاج وهو ما يؤدي في النهاية إلى مردود سلبي على المجتمع ككل، ومن هنا تأتي أهمية دور الصيدلي في التعامل بوعي مع المرضى الذين يعانون من الآلالم والتعاون مع كافة عناصر الرعاية الصحية في مساعدة المرضى في التغلب على الآلام.
كما ناقش الحضور دور الصيدلة الإكلينيكة السريرية المتخصصة وأهميتها في ارشاد المريض ورفع مستوى الوعي لدية وتخفيف العبء عن الطبيب من خلال قيام الصيدلي بأداء دوره بالشكل الصحيح على النحو الذي يساعد على خفض نسب الأخطاء الطبية غير المتعمدة نتيجة طبيعة العمل، وأن دور الصيدلي الاكلينيكي يمتد ليشمل العديد من الجوانب الفنية والادارية وحتى مهارات التواصل الفعال مع المرضى، وأن هذا الدور الهام يبدأ من اختيار الأدوية المناسبة للوحدة التي يعمل بها وحتى تعافي المريض بإذن الله، حيث أشارت احدى الدراسات الميدانية أن وجود صيدلي اكلينيكي متخصص داخل وحدات الرعاية المركزة بالمستشفيات يساعد في خفض معدلات الوفيات بها إلى نحو 30 بالمائة.
فيما تناولت محاضرة أخرى أهمية العلاجات الدوائية الحديثة ودورها في تغير وجه العالم، حيث أوضح المحاضر هاني سليمان أن مقياس تقدم الأمم يعتمد بشكل كبير على ارتفاع مستوى المعيشة وارتفاع المخزون المعرفي لابناء الأمة بالإضافة إلى ارتفاع المستوى الصحي العام ومن ثم ارتفاع متوسط الأعمار، مؤكداً أن الموارد البشرية هي ثروة الأمم ومن هنا نشأ مفهوم الصحة العامة للأمة وأهمية العمل بشتى السبل على تعزيزها. وأشار سليمان أن النموذج التقليدي لمنظومة الرعاية الصحية القائم على أربعة عناصر رئيسية وهي المرض الذي غالباً ما يكون عضوياً فقط والمريض وهو العنصر الخامل والمتلقي ضمن عناصر المنظومة، أي أن دوره لا يتعدى تناول الدواء، والطبيب والذي كان يعد هو الخبير الصحي الوحيد في اطار المنظومة ككل، واخيراً المستشفى وهو المكان الوحيد للمعالجة.. هذا النموذج التقليدي قد تغير الآن ليحل محله النموذج الشمولي الحديث والذي يعتمد على تفعيل دور تلك العناصر بشكل أكبر، حيث المرض لم يعد مجرد المرض العضوي فقط، وأن الصحة هي التوازن بين العافية الطبية والاجتماعية والنفسية، مع تحول المريض من عنصر خامل إلى عنصر مشارك في الرعاية الصحية وله حق الإختيار، فيما لم يعد الطبيب هو الخبير الوحيد في تلك المنظومة بل هناك خبراء مشاركون آخرون مثل الصيدلي، كما لم تعد المستشفى هي المكان الوحيد للمعالجة، ومن ثم تحول المفهوم من مجرد علاج المريض إلى التعامل مع المريض بمعنى أنه أصبح من الأهمية بمكان أن نعلم طبيعة المريض الذي يعاني من مرض ما مثلما نعلم نوع المرض الذي يعاني منه مريض ما، ومع مرور الوقت تحولت شركات الأدوية من مجرد الإهتمام بانتاج الأدوية الأساسية التي تتعامل مع علاج المرض فحسب بل أصبح هناك تركيزاً على الأدوية التي تساهم في تحسين نوعية ونمط الحياة. كما أوضح هاني سليمان أن عملية الأبحاث وتطوير الأدوية عملية معقدة ومرهقة زمنياً ومادياً، بمعني أن اكتشاف وتطوير دواء جديد يستغرق فترة زمنية تترواح ما بين 10 – 15 سنة وتصل تكلفتها الى 1,3 مليار دولار تقريباً، مشيراً إلى الدراسة الشهيرة التي أجرتها مجلة "نيويورك تايمز" الأمريكية تحت عنوان "ثمانون يوماً غيرت وجه العالم" والتي أبرزت أهم الإكتشافات في المجالات المختلفة على مدار التاريخ الحديث، أربع في مجال الأدوية، وكان لشركة فايزر للأدوية نصيب الأسد منها وذلك لعلاقتها الوثيقة بأثنين من أهم الاكتشافات الدوائية في التاريخ وهما: استطاعتها عزل المادة الحيوية "البنسيللين"، أول وأهم مضاد حيوي في التاريخ، من الفطر باستخدام تقنية التخمر العميق “Deep Fermentation” كأول شركة منتجة لهذا المضاد الحيوي الذي أنقذ حياة العديد من الجنود أبان الحرب العالمية الأولى وهو ما عزز قيمة الصحة العامة ورفع مستوى التوقعات للرعاية الصحية ومنح المرضى فرص حياة أطول. أما الإكتشاف التاريخي الثاني لشركة فايزر فكان تطوير وانتاج عقار فياجرا لعلاج ضعف الإنتصاب والذي ساهم في تحسين نوعية الحياة للملايين من الرجال على مستوى العالم. وتجدر الإشارة إلى أن الاكتشافات الدوائية الأربعة التي أحدثت ثورة علمية غير مسبوقة بين الثمانين اكتشافاً المختلفة التي غيرت وجه العالم هي على الترتيب:
* بنيسللين المضاد الحيوي الأول في 28 سبتمبر 1928م * اينوفيد 10 ملغ أول أقراص لمنع الحمل في 9 مايو 1960 * بروزاك مضاد الإكتئاب من فئة SSRI في 19 ديسمبر 1986م * فياجرا أول علاج دوائي لضعف الانتصاب عند الرجال بتاريخ 27 مارس 1998م
فيما أضفى عرض التجارب الناجحة وتبادل الخبرات بين المشاركين والمتحدثين طابعاً مميزاً على ورشة العمل، وهو ما أكده الدكتور/ أحمد شوكة، استشاري الطب النفسي بالمملكة المتحدة، الذي قدم سيناريوهات متعددة للعلاقة بين المريض والصيدلي وأفضل وسائل التواصل مع المرض والطرق السليمة لإرشاد المريض للوصول الى صحة أفضل، وأوضح الدكتور شوكة أن المحتوى العلمي لكافة الأوراق التي قدمت في ورشة العمل كانت على مستو عال وباسلوب تفاعلي جذاب، وشدد على أهمية تفعيل هذه الرؤية الحديثة لدور الصيدلي وكيفية اعداده وتعامله الصحيح مع الأدوية بطريقة تساعد وتسهل حصول المريض على الدواء في الزمان والمكان والوقت المناسب. وطالب خبير الصحة النفسية المعروف شركات الأدوية المختلفة الاطلاع بدورها من خلال تقديم خدمة علمية متميزة والمساهمة في وضع رؤى مهنية لكافة عناصر الرعاية الصحية مثلما فعلت فايزر من خلال هذا التجمع المهني، وأختتم الدكتور شوكة حديثه بالإشارة إلى أن منظومة الرعاية الصحية المتكاملة لم تعد مجرد عامل حيوي فحسب بل أصبحت تعتمد في جزء كبير منها على التسويق والتشويق من جوانب اجتماعية وثقافية بالاضافة إلى النواحي الطبية.