خرجت لصلاة الفجر متوجهاً إلى المسجد وإذا ببعض أبنائنا الطلاب من أبناء الحي جلوس في الحديقة ، بعد سهر طوال الليل ، لأن هذا الأسبوع إجازة استعداداً للإجازة الرسمية الأسبوع القادم ، والطلاب وأولياء أمورهم ( ربوا الوزارة ) ، بمساعدة من بعض المربين والمربيات ومتابعة جادة من مديري المدارس ، وآتت هذه التربية ثمارها وظهرت نتائجها بصورة واضحة على مستوى مدارس الوطن ، فأصبح أبناؤنا وبناتنا وفقهم الله يُمتعون أنفسهم بإجازة قبلية ( دائماً ) وبعدية ( أحياناً ) مع كل إجازة رسمية ، ويصحب هذه الإجازات كثيراً من السلوكيات الخاطئة غير المسؤولة ، والتي تنتهي في المستشفيات أو الإصلاحيات والسجون ، وتتدرج هذه السلوكيات بدءاً بالتدخين وصولاً إلى المخدرات ، والسرقة والقتل ، وهذه السلوكيات وإن كانت خطيرة ومضرة في حد ذاتها ، إلا أن الأخطر من ذلك كله ( تعود الفوضى وعدم التقيد بالنظام ) وأن يصبح هذا السلوك الفوضوي غير المسؤل جزءاً من حياة الطلاب ، بل والمجتمع ، وتُبنى عليه الثقافة ، والتي يشب عليها الصغير وقد يشيب عليها الكبير ، إِنَّ الغُصونَ إِذا قَوَّمتَها اِعتَدَلَت ... وَلا يَلينُ قَوَّمتَهُ الخَشَبُ قَد يَنفَعُ الأَدَبُ الأحداث في مَهلٍ ... وَلَيسَ يَنفَعُ في ذي الشَيبَةِ الأَدَب وعندما نقارن ثقافتنا ، بثقافة غيرنا من المجتمعات الأخرى ، فإنه يصيبنا الحزن وشيء من خيبة الأمل، وخاصةً عندما نرى أبناء الجاليات ( الهندية والباكستانية ) على سبيل المثال ، وهم منتظمون منضبطون في حضورهم وتقيدهم بأوقات الدوام والإجازات والعمل والإنجاز، وهذه الثقافة وما ارتبط بها من سلوكيات تفتح لنا نافذة نطل منها على ظواهر أخرى من حياة أبنائنا ، نقف معها تصحيحاً وتقويماً ، نقداً ذاتياً لأنفسنا ، لنتجه في الاتجاه الصحيح ، ولنتلافى الأخطاء والسلبيات في حياة الأبناء ( وليس عيباً أن توجد الأخطاء . . ولكن العيب كل العيب أن نستمر على الخطأ ) : ومن تلك الظواهر ، والتي سأكتفي بذكر ثلاث منها : أولها : ظاهرة الكتابة على كل شيء ، المقررات الدراسية ، الطاولات ، الكراسي ، جدران المدارس والمساجد والدوائر، الأبواب ، الكباري ، لوحات الطرق ، على كل شيء ، هكذا دون مبالاة ولا استشعار لمسؤلية ، ( تسير في أحد الطرق السريعة خارج المدن، وتأتيك بعض اللوحات الإرشادية المعلقة بعرض الطريق وبارتفاع 5.5 م ، وتجد أن الأبناء قد وصلوا إليها وكتبوا عليها ) ثانيها : الاتكالية والسلبية وعدم الجدية ( فراغ الشخصية ) ، عند شريحة كبيرة من الأبناء ، وبالمثال يتضح المقال : ( تم الإعلان عن وظائف شاغرة ، مطلوب جامعيين لشغلها ، وترفق السيرة الذاتية للمتقدم ) ، وجاءت الملفات لأكثرهم تحمل السيرة الذاتية : ورقتين اثنتين ( البطاقة الوطنية + الشهادة الجامعية بتقدير( مقبول ) . ؟ ! ، ولاشيء غيره . ثالثها : عدم تعظيم قدر الصلاة ، وصلاة الظهر في مدارسنا ( معاناة ) تكرر كل يوم ، شريحة من الطلاب ( بدون وضوء وأخرى من فوق سور المدرسة مؤقتاً وثالثة كلام داخل الصفوف حتى نهاية الصلاة ورابعة لم تخرج من دورات المياه إلى أن سلم الإمام ) وفي كل يوم ( كأنهم يصلون لأول مرة ؟ ! . فمن المسؤول عن هذه الظواهر السلبية ؟ الجواب : كلنا مسؤل ، لأن هذا وطننا ( قبلة المسلمين ومهبط الوحي ) ، وهؤلاء أبناؤنا ، والمسؤلية بالدرجة الأولى تقع على الأبناء ، وهذه حياتكم وشخصياتكم أيها الشباب ، وأنت أخي الشاب حيث تضع نفسك ، ( ومن جلس في صغره حيث يكره . . جلس في كبره حيث يحب ) ، وأنتم تنتمون إلى أمة ، المجد سليلها ، ورجالها هم من شادوا المجد وأثلوه ، مِنّا الّذِي اخْتِيرَ الرّجالَ سَماحَةً وَخَيراً إذا هَبّ الرّياحُ الزّعَازِعُ وَمِنّا الّذي قادَ الجِيادَ عَلى الوَجَا لنَجْرَانَ حَتى صَبّحَتها النّزَائِعُ أُولَئِكَ آبَائي ، فَجِئْني بمِثْلِهِمْ إذا جَمَعَتْنا يا جَرِيرُ المَجَامِع ثم تقع المسؤلية على الآباء والأمهات بتقديم القدوة الصالحة الحسنة لأبنائهم وبناتهم وأن نمتثل جميعاً قول الله : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة )، ثم على مؤسسات التربية والتعليم ( الأساسي والعالي ) ، ومحاضن التربية من المدارس التي يؤمها الأبناء كل يوم ويبقون فيها ، أمام معلميهم وأساتذتهم زمناً أطول من بقائهم مع والديهم ، وكذلك إعلام ينبغي أن يكون على قدر المسؤلية ، للمحافظة على القيم والثوابت في شخصيات الأبناء ، وقد كتب أحدهم يوماً من الأيام ( أمة . . في خطر ) لتحذير قومه وأمته ، ونحن يجب علينا أن نتنادى جميعاً من أجل أبنائنا ، والله الموفق .