حين تريد امرأة أن تتقدم بشكوى أمنية أو أخلاقية تذهب إلى قسم الشرطة أو مركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مباشرة، وحين تريد أن ترفع دعوى تذهب إلى المحكمة مباشرة، أما حين تنوي أن تتوجه بشكواها إلى هيئة حقوق الإنسان والشكوى لغير الله مذلة فإن عليها أن تدخل المبنى النسائي المستقل وتعرض قضيتها ثم ترسل الموظفات القضية إلى المبنى الرجالي المجاور كي يتفاهموا مع الرجل الذي انتهك حقوقها الإنسانية ثم يبلغوا المقر النسائي بالنتيجة ! وبعد ذلك (أرسل سلامي مع نسيم الصباح).. للمجتمع المدني! فقبل يومين اثنين فقط نشرت هيئة حقوق الإنسان إعلانا في «عكاظ» عبرت فيه عن رغبتها باستئجار فلتين متجاورتين في أبها كي تكون مقرا للهيئة في منطقة عسير (رجالي نسائي) ! ويتضح من هذه الصيغة المكتوبة بالبنط العريض أن الفيلا الأولى ستكون لهيئة حقوق الإنسان والفيلا الثانية لهيئة حقوق (الإنسانة) ! ..ونحن لا نرى أية مشكلة في مثل هذا الانشطار الهيكلي والمكاني باستثناء أنه ضد مبادئ حقوق الإنسان! لست أنا من يقول ذلك.. بل هيئة حقوق الإنسان هي التي تقول هذا الكلام ! فهي تقوم سنويا بحملة توعوية لتعريف المجتمع بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسبق أن نظمت احتفالية كبرى وصرفت مبالغ محترمة على حملة إعلانية رائعة امتدت في كل الشوارع بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي لا يتوافق أبدا مع ما جاء في الإعلان التجاري المنشور يوم الأحد الماضي ! سيقول بعضكم أن هيئة حقوق الإنسان تراعي خصوصيتنا وعاداتنا وتقاليدنا وطبيعتنا التي تختلف عن أية طبيعة بشرية أخرى وسأقول: (على عيني وراسي) ولكن كل هذه الأسباب لم تمنع هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من نشر إعلان في نفس العدد تطلب فيه استئجار مبنى في جيزان دون أن يتضمن إعلانها هذا الشرط الانشطاري! ستقولون: إن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا توجد فيها موظفات وفي أغلب الأحوال فإن النساء لا يتعاملن مع مقر هيئة الأمر بالمعروف إلا في حالات الضبط ما يعني عدم وجود حاجة لمقرين متجاورين (رجالي نسائي)، وسأقول: (برضه على عيني وراسي) ولكن الدوائر والوزارات والشركات والبنوك التي توجد فيها موظفات تحتوي على أقسام نسائية في المقر ذاته وهي معزولة تماما عن أقسام الرجال بشكل يضمن عدم الاختلاط.. فما الذي يمكن أن يدفع هيئة حقوقية مثل هيئة حقوق الإنسان للمزايدة على الجميع والبحث عن مقر لها على شكل فيلتين متجاورتين (رجالي نسائي) ؟!. حسنا.. (خلوا حقوق الإنسان على جنب) ! وأجيبوني: لماذا تضيق هيئة حقوق الإنسان واسعا في شروط المبنى المطلوب حيث اشترطت أن يكون على شكل فيلتين متجاورتين إحداهما عشر غرف والأخرى سبع غرف وتطلان على شارعين أحدهما رئيس والآخر فرعي ومملوكتان لمالك واحد مثلما توحي بقية الشروط ؟ ألن تدفعها مثل هذه الشروط المبتكرة إلى أن تجد نفسها أمام عرض واحد أو عرضين على أبعد تقدير فتضطر للتعاقد مع ما هو متاح مهما ارتفعت قيمة استئجاره؟! أما السؤال الأهم من هذا كله فهو: كم يبلغ عدد الموظفين الذين سيعملون في هذا المقر الانشطاري ؟ فالفيلا الأولى التي أظنها فيلا الرجال يشترط الإعلان أن تحتوي على عشر غرف واسعة مع صالة وملحق وحوش ومواقف داخلية لثلاث سيارات على الأقل، والفيلا الثانية التي أظنها فيلا النساء يشترط الإعلان أن تحتوي على سبع غرف واسعة مع صالة وملحق وحوش (دون اشتراط مواقف داخلية للسيارات بطبيعة الحال !) وهذه مساحة كافية لاستيعاب ما لا يقل عن 70 موظفا وموظفة في عسير وحدها ؟ وإذا كانت هذه الحسبة صحيحة فإن عدد موظفي هيئة حقوق الإنسان في عموم مناطق المملكة لا يقل عن 1000 موظف ؟ وإذا كانت هذه الحسبة صحيحة أيضا فإننا نقول لكل هؤلاء الموظفين والموظفات بلغة تمتلئ شوقا ولهفة: (وينكم.. ؟ ما شفناكم.. !) أما إذا كانت طبيعة العمل تستلزم أن ينشكح كل موظف وحيدا في غرفة واسعة لتأمل أحوال حقوق الإنسان فإننا سنقول بلهفة أكبر: (ما عندكم وظايف شاغرة ؟!)