لم يقتصر العبث بعروس البحر الأحمر كون أمانة محافظتها شرعت في طمس هوية وتميز هذه المدينة من خلال إلغاء عديد من ميادينها التاريخية والجمالية أو اختفاء بعض الأعمال الفنية التي كان يبلغ عددها 522 عملاً فنياً مقسمة بين 511 مجسماً جمالياً و11 لوحة جدارية شارك فيها كبار الفنانين العالميين مثل الإيطالي لافونتين، إلى جانب هنري مور وسيزار وفازاريلي، وهم من أكثر النحاتين شهرة في العالم وأعلاهم سعراً، وهو ما حدث مع ميدان الطائرة التي تعد أول طائرة أهديت للملك عبدالعزيز، وميدان السفن الذي استبدلته بأحد المشاريع التجارية ومجسم صندوق مجوهرات البغدادية، الذي أنشئ عام 1404 ه في حي المدارس إضافة إلى إزالة 76 عملاً جمالياً و15 نافورة، وتعرض خمسة مجسمات للتلف، واختفاء 12 عملاً لا تقدر قيمتها بثمن كمجسم الإصبع لسيزار، ومجسم لا إله إلا الله، والنافورة في شارع خالد بن الوليد، ومجسم الطيور في الحمراء، السيارات في شارع ولي العهد، والعروسة، لم يقتصر ذلك العبث على تلك الأعمال الفنية ولكن امتد أيضا إلى بحرها، فجدة التي تقدر مساحتها الإجمالية ب 74762 كيلومتراً مربعاً – ما يمثل نحو 3% من إجمالي المساحة الكلية للمملكة – يبلغ الشريط الساحلي الإجمالي لها 655 كيلو مترا ولكن الغريب أن المسموح لمواطني جدة والمقيمين البالغ عددهم 3.4 مليون نسمة لا يتجاوز 21 كيلو مترا فقط وبحسبة أخرى يفقهها من لا يفهم الحساب مثلي أن 634 كيلو مترا «اختفت» عن أنظار الناس «بقدرة قادر» أي 3.2% فقط هي التي «وهبت» لأكثر من 3.4 مليون إنسان – بعد إخراج المتنفذين من الحسبة – ليستمتعوا بالبحر وجماله ولحظاته الساحرة!! تلك المساحة الصغيرة قسمت إلى ثلاثة أقسام «لينعم» سكان جدة بها، وهي الكورنيش الشمالي الذي يبلغ طوله حوالي 11 كيلو مترا – استقطع جزء منها للممتلكات الخاصة- ليرتبط مع الكورنيش الأوسط الذي يعد امتداداً للكورنيش الشمالي، أما القسم الثاني فهو الكورنيش الجنوبي لجدة وقد تم ردم مناطق الشعاب فيه إلى داخل البحر حيث يتجه هذا الجزء من الكورنيش امتداداً إلى الجنوب ليلتقي مع الشواطئ الموازية لمنطقة البلد والشواطئ المحجوبة عن عامة الشعب، كالميناء جنوباً وسلاح الحدود ومشروع تحلية المياه، والمستشفى العسكري!! كلما اتجهت شمالا، جميع هذه المواقع أخذت مساحة كبيرة جدا من بحر جدة وفي الجهة المقابلة ضربت «الممتلكات الخاصة» لمن يمتلكون قوة السلطة والمال بجذورها هناك، أما شرم أبحر فحدّث ولا حرج فهو لا يتجاوز العشرة كيلو مترات وكلما اتجهت شمالاً أغلق البحر في وجه عباد الله حيث خصصت تلك المنطقة حتى تلتحم بالجبال للمتنزهات والمنتجعات وعلية القوم، أو لتلك الأراضي «المسيجة» التي تركت لاستفزاز كل من يبحث عن بحر جدة بل إن تلك المنطقة تحديداً «شرم أبحر، مدينة البحيرات، خليج سلمان، درة العروس» وحسب دراسة مسحية للدكتورة آمال يحيى الشيخ من جامعة الملك عبدالعزيز تعرضت إلى تدمير شامل للبيئة نتيجة الردم والتجريف وإقامة المشاريع الخاصة بعد أن كانت حتى عام 1986 تتميز بشعابها المرجانية وبأشجار الشورى والرمال النقية. أمانة مدينة جدة وهي الجهة المسؤولة عن «عجوزها» أوضحت عام 1430 ه وتحديداً في شهر جمادى الأولى وبجرأة غير متوقعة، أن عدم وجود مواقع كافية من البحر لساكني جدة يعزى إلى أن نسبة مرتفعة من الأراضي المحاذية للواجهة البحرية تقع ضمن ملكيات خاصة، وهنا من حقنا أن نسأل من «أفرغ» تلك المواقع لتلك الملكيات ومن يتحمل تلك المسؤولية، بل إن «الأمانة» وعلى موقعها الإلكتروني أكدت في بيان لها لا يُعرف كوعه من بوعه حلها لتلك المعضلة ضمن خطتها الاستراتيجية بتنفيذ منطقة سياحية بمسافة 400 متر على كل من جانبي الخط الذي يمثل متوسط مد البحر، ويشمل ذلك خليج أبحر وسيتم في هذه المنطقة تنظيم كافة الاستخدامات والأنشطة فيما بين اليابسة والبحر! إننا لا نطالب بتوفير أماكن الجلوس المريحة على شاطئ البحر أو طرد الفئران من 21 كيلومتراً مخصصة لساكني جدة أو حتى مواقع للصلاة والوضوء والسيارات أو شواطئ مفتوحة تحترم خصوصية المجتمع بل نضع علامة استفهام «كبيرة» لأصحاب القرار للإجابة على تساؤلنا «البريء جدا» من سمح للقلة بمصادرة 634 كيلو مترا من بحر جدة عن 3.4 مليون قاطن في جدة، ومتى يعود ذلك الحق؟ ومن أعطى أمانة جدة الحق في تشويه تاريخ جدة الفني وتحويلها إلى نسخة مكررة من مدننا الإسمنتية؟