لقد كرَّم الله المرأة في الإسلام تكريماً يليق بها وأنزلها منزلة عالية، وبوَّأها مكانة سامية من حيث كونها أمَّاً وأختاً وصانعة أجيال، كما أن الإسلام ساوى المرأة بالرجل في التكليف بالطهارة والصلاة والعطف على الأولاد والنساء واليتامى والرأفة بهم، كما تساوت مع الرجل في العقوبة وتطبيق الحدود في الدنيا في حد السرقة وحد القذف واللعان والزنا، وهذا ما يستدل به من خلال الآيات التي وردت في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة المروية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- التي تتحدث عن المرأة وحقوقها وواجباتها. ومَنْ يستقرئ تاريخنا الإسلامي سيجد صوراً مشرقة وجليلة تتحدث عن المرأة ودورها في بناء الأمة إلى جانب شقيقها الرجل من خلال ما سجلته المصادر الإسلامية، فأمهات المسلمين زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لهن دور كبير في نقل الأحاديث، التي رويت عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبخاصةٍ أُمَّنا عائشةُ رضي الله عنها؛ حيث يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- عنها: «خذوا دينكم عن هذه الحميراء»، فأغلب الأحاديث التي رويت هي على لسان أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وما نحن بصدده في هذا المقال ما يتردد حالياً عن قضايا المرأة وإثبات حقوقها، وقضية المرأة لدينا تقاذفتها أقلام بعض المفكرين والمثقفين من التيارين المتناقضين باسم «حقوق المرأة»، فالتيار الليبرالي يريد لها الانفتاح والمشاركة في كلِّ مجالات الحياة، والتيار المتشدد وما يعرف ب «التيار الإسلامي» يرفض تلك الأفكار ويقف معارضاً لها، وأصبحت سجالاتنا الفكرية في موضوع المرأة سجالات عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع لأنها لا تقدم حلولاً ولا مخارج لها، وليست هناك نقاط اتفاق فيما بينهم في قضايا المرأة، إنما دوماً مختلفون في آرائهم ومتشددون في وجهات نظرهم تجاه قضايا المرأة وهمومها، وهذا ما عقّد موضوع المرأة وحقوقها كثيراً، ومثال ذلك طريقة معالجة قضية قيادة المرأة للسيارة من قبل البعض، حيث أصبح السماح بقيادتهن للسيارة أمراً من المعجزات، والجميع يعلم أن هذه القضية هي قضية اجتماعية بحتة، ولكن التجادل فيها عقدّها كثيراً وجعلها تدخل في أمور الدين بأنها حلال أو حرام، مع العلم بأنه ليس هناك دليل قطعي يمنع المرأة من قيادة السيارة إذا كانت متبعة الأنظمة والقوانين، ولكن تقاليدنا وأعرافنا هي مَنْ جعلت القضية تتصاعد حتى أصبحت في أذهان كثيرات أنها من الأولويات، وفي حقيقة الأمر لو تم عمل استفتاء لعينة عشوائية من النساء في مجتمعنا لترتيب قضاياهن لربما ظهرت قيادة السيارة في المراتب المتأخرة، لأن هناك قضايا وحقوقاً لهن أهم من قيادة السيارة في نظر كثيرات من سيدات المجتمع. ويتداول الآن في بعض المنتديات ووسائط التواصل الاجتماعي بأنه في الأسبوع المقبل وتحديداً في 26 أكتوبر سوف يكون هناك موعد لبعض السيدات يجتمعن فيه لقيادة سياراتهن لعلهن من وجهة نظرهن يمارسن الضغط على أصحاب القرار في السماح لهن بقيادة السيارة، وهن يعلمن جيداً أن السماح بقيادة السيارة لا يأتي بالتجمعات والدعوات للخروج بشكل جماعي، فهذا يناقض النسق العام الذي تسير عليه الدولة، وربما هذا سوف يؤزم القضية ويزيد في هوتها ويصبح هذا المطلب بعيد المنال. ومن وجهة نظري، أن السماح للمرأة بقيادة السيارة يحتاج إلى كثير من الضوابط والقوانين التي لا بد أن توضع قبل إصدار القرار لحمايتها من المشكلات التي قد تتعرض لها، وهذا يحتاج إلى وقت كافٍ لإصداره والعمل به، وشئنا أم أبينا أن الواقع والزمن تغير كثيراً عن الزمن الماضي، وكل زمان له أحكامه وظروفه، فلذلك لابد لنا أن نتعاطى مع قضايانا بكل شفافية حتى نستطيع حلها دون تشنجات أو رفض من البعض. وعندما بدأت المرأة تطالب بحقوقها دون تدخل الرجل فيها أصبحت تطالب بواقعية وانضباطية، حتى حصلت على جزء كبير من تلك الحقوق ومن دون أيِّ صخب إعلامي أو معارضات من الطرفين؛ لأنَّ تلك المطالب كانت من صاحبات الشأن أنفسهن، ولم تكن من الأضداد حتى يمنعوهنّ ويقفوا ضدهنّ ويعطلوا مصالحهنّ، وكذلك تكون أغلب المطالبات منطقية ولها مدلولها وأهميتها، حتى أن صاحب الصلاحية قد يقتنع بتلك المطالب لأنها صادرة من المرأة نفسها. ومَنْ يقلّل من شأن المرأة في بلادنا فهو مجحف ومرجف، فقد نالت المرأة في هذا العهد قسطاً وافراً من الحقوق من حيث المشاركة الفاعلة في البناء والتنمية، كما تميزت بالمشاركة في القرار السياسي، وشاهدنا لها مواقع وظيفية وصلت إلى المراتب الممتازة، كما أُتيح لها المشاركة أيضاً في صنع القرار والمشاركة في مناقشة القضايا السياسية والفكرية والاجتماعية من خلال مشاركتها الفاعلة والبنّاءة في مجلس الشورى، والحوار الوطني. ولا بد من سيدات المجتمع أن يطالبن بحقوقهن بطريقة فاعلة ونشطة من خلال الطرق المتعارف عليها في مجتمعنا، ولا يكن أداة في يد الغير يحركها متى ما أراد، لأن الحصول على المطالب لا يأتي بسرعة إنما رويداً رويداً، فحري بسيدات مجتمعنا أن يدركن أن الوطن أولاً وليس ثانياً، وأنا واثق أن أغلب سيدات المجتمع يملكن وطنية عالية ولا يزايدن على وطنهن مهما كانت حاجة مطالبهن. وختاماً أقول إن التجربة التي خاضها المجتمع السعودي في سجال طويل تجاوز عقدين من الزمان بين الاتجاهات الفكرية والقوى الاجتماعية تجعلنا نشعر بالقلق العميق من أن تصبح هذه السجالات تقليداً ثابتاً يصبح هو المرجعية التي تواجه كل المستجدات أو التحولات على الصعيد الحقوقي الوطني، وهنا أجزم بأن الدولة هي مَنْ يستطيع أن يضع قواعد جديدة للقضايا بحيث تصبح هي المبادرة إلى تقديم الحلول بدلاً من أن تأتي هذه الحلول استجابة لضغوط ما قد يعرضها للعشوائية، وربما تكون التداعيات أسرع بكثير من قدرة المجتمع على استيعابها.