الدابي مُخاطباً العربي: بعثة المراقبة العربية تعيش لعبة القط والفأر في سورية جبل الزاوية – الشرق يبدو كل شيء عاديا في مدينة حلب، لكن محطة الحافلات المتوجهة إلى معظم مناطق إدلب وحماة شبه فارغة، والحركة بحدودها الدنيا. ركبت الحافلة المتجه إلى حماة وانطلقت باتجاه الطريق الرئيسي الذي كان في أيامه العادية مزدحما بالسيارات، لكنه الآن شبه فارغ، وبعد أن قطعت الحافلة 25 كم تقريبا إلى الجنوب من حلب بدأت الحواجز الأمنية والعسكرية لجيش النظام، وحيث تتمركز على جميع مفارق الطريق العام دورية مسلحة ورشاش متوسط فوق سيارتهم، وبدأنا نشعر بأننا في أجواء حرب ذكرني أيام وجودي في لبنان، أثناء الحرب الأهلية، معظم العناصر الأمنية يرتدون اللباس المدني ويقفون في العراء تحت المطر وأسلحتهم موجهة صوب الطريق العام، مررنا على أكثر من عشرين حاجزا لحراسة مداخل الطرق التي تصب بالطريق العام. وشاهدت بضعة سيارات وشاحنات فيها شباب يرفعون الأعلام وصور الرئيس متجهة إلى حلب. سراقب مغلقة حتى إسقاط النظام لوحة على جانب الطريق شاهدتها كثيرا في السابق، لكنها اليوم مختلفة تماماً، فمع اقترابنا منها يبدو أننا دخلنا منطقة سراقب واختفت الدوريات المسلحة والأعلام الرسمية، وبدا المشهد مختلفا عما هو عليه إثر خروجنا من حلب فالحركة شبه معدومة والاستراحات التي كانت تكتظ بالسيارات والحافلات السياحية مغلقة الآن، وبضعة دبابات تتمركز حول إحدى البنايات التي لم يكتمل بناؤها بعد، بعض من هذه الدبابات مغطى بشكل جزئي لكن مدافعها ظاهرة ومصوبة في جميع الاتجاهات. على لوحة بيضاء وبخط أحمر كتبت هذه العبارة، لوحة تغطي مدخل الشارع الرئيسي المتجه من الطريق الدولي إلى داخل المدينة، كل المحال التجارية مغلقة وعلى بعد أقل من كيلومتر من مواقع الدبابات كانت الحركة محدودة وأصبح واضحا تماما غياب قوات النظام فالمنطقة خارج سيطرته. وباتجاه الغرب حيث يلوح جبل الزاوية تغطيه غيوم سوداء داكنة تزيد من قتامة المنظر وهدوء لا يسمع فيه سوى صوت أمطار إدلب الغزيرة التي لم تتوقف منذ أسبوع والسيول تتحرك في كل الاتجاهات لونها أكثر حمرة مما عهدتها ربما بسبب الدماء التي سالت وما زالت تسيل في تلك المنطقة أو هكذا تخيلت. شعارات الثورة وعلم الاستقلال على أسوار المدارس والمؤسسات الرسمية في معظم البلدات والقرى و المدن المنتشرة على أطراف الطريق الدولي، الدبابات والمدرعات المتمركزة في مناطق محددة على طرفي الطريق، والمركز الثقافي في معرة النعمان ومركز شرطة الطرق العامة في خان شيخون التي أصبحت مراكز عسكرية محاطة بأكياس الرمل وحدها تشير إلى أن هناك بعض السيطرة من قبل السلطة. الخط الفاصل بين الحياة والموت في مدينة خان شيخون ركبت سيارة أجرة، وطلبت من السائق أن يوصلني إلى المنطقة التي أقصدها فحذرني من أنه لا يستطيع، بل يمكنه أن يوصلني إلى منطقة أقرب، وخط بإصبعه مشيرا إلى نقطة علام على واجهة البناء قال “انتبه القناصة يطلقون النار على أي شيء يتحرك بعد هذه النقطة” استقبلني الشخص الذي كان بانتظاري.. قائلا هيا لنخرج بسرعة الساعة الآن حوالي الرابعة مساءً علينا الانطلاق قبل حلول الظلام الليل خطير في هذه المنطقة، ألقيت نظرة على المكان صرخوا انتبه ارجع إلى الخلف، على بعد مائة متر كان الحاجز العسكري المحصن من كل الجهات والذي يراقب منه كل الشوارع المؤدية الى البلدة وكذلك الطريق الذي يجب أن نسلكه حيث نقصد، مشينا بين الأزقة والشوارع الضيقة المليئة بآثار الرصاص على كل الجدران، دخلنا أحد الأبنية التي لا تبتعد عن الخط الفاصل بين الحياة والموت سوى مترين حيث الرصاص لا يتوقف عن اختراق الواجهة أو التفجرعلى أحجارها الصلبة، لا حصانة لشيء هنا، البشر ،خزانات الوقود والماء، الصحون اللاقطة. وعلمت للتو أن شخصا غريبا لا يعرف جغرافيا شوارع الموت سقط برصاص القناص قرب الخط الفاصل أمس. حسن 35 سنة ناشط من سكان الحي قال “أحياناً تمر ليلة كاملة لا نستطيع النوم بسبب إطلاق النار ابني الصغير صار يدرك الخطر يختبئ تحت السرير كلما سمع صوت الرصاص، قبل حوالي شهر أثناء الاجتياح العسكري للمدينة بقينا محتجزين داخل المنزل أربعة أيام نفذ خلالها الخبز وحليب طفلي. الطريق إلى جبل الزاوية جبل الزاوية الشهير تاريخيا ويزداد شهرة اليوم هو عبارة عن مجموعة من التلال أكثرها ارتفاعا حوالي 800 متر مساحته حوالي ألف كلم مربع، في زاويته الشمالية الشرقية مدينة سراقب ومدينة أريحا، وفي الشمالية الغربية جسر الشغور، وفي الجنوبية الشرقية معرة النعمان وخان شيخون، وفي الجنوبية الغربية قلعة المضيق (أفاميا المدينة التاريخية الشهيرة) يتصل شمالا بسهول إدلب، وغربا بسهل الغاب وجنوبا يندمج بسهول حماة، تتوسطه مجموعة من القرى والبلدات أكبرها كفرنبل وبلدات أخرى عرفها الناس خلال الثورة ( كفرومة، حاس،معرة حرمة، كفرعويد، كنصفرة، ابلين، بليون،احسم، البارة، مرعيان، أورم، وعشرات القرى الصغيرة المحاطة بأشجار التين والزيتون والكرز. خرجنا من من خان شيخون في اليوم التالي باتجاه الغرب نحو قرى وبلدات جبل الزاوية التي يسيطر الجيش الحرعلى معظم مناطقها وعبرنا أحياء وحارات ضيقة ...حيث لا أحد يسلك الطرق الرئيسية المعروفة داخل المدينة وعلى أطرافها حيث تتمركز الحواجز الأمنية والتي تمارس الإذلال والترهيب وسرقة الأمتعة والمال والاعتقال .. تتزاحم القصص والروايات التي يندى لها الجبين ... (فلان) كان مع عائلته أوقفه الحاجز وبعد التفتيش أجبروه على خلع ملابسه والوقوف عاريا تحت المطر لمدة ساعة أمام عائلته والمارة. وآخر داسوه بأرجلهم وآخر قتل قرب الحاجز وقصص كثيرة مؤلمة. أصدقائي قتلوا منذ بداية الأحداث التقيت عناصر من الجيش الحر الذين توزعوا بحسب ظروف المواجهة على مجموعات صغيرة في بلدات وقرى المنطقة، أبو العبد 38 سنة أب لأربعة أطفال ناشط سياسي من مدينة حماة يعيش كلاجئ في المنطقة قال “قبل دخول الجيش إلى حماة في أول أيام شهر رمضان الماضي كنا نتظاهر يوميا بشكل سلمي ونغني في الساحات وننظم حياة المدينة وننظف أماكن التظاهر والشوارع العامة وبعد اقتحام الجيش للمدينة قتل الكثير منا واعتقل الكثير، شقيقاي معتقلان منذ خمسة أشهر ولا أعرف مصيرهم، ويضيف قائلاً “أنا هربت من المدينة، لم أشاهد عائلتي منذ نهاية رمضان، قسم من أصدقائي قتلوا منذ البداية ،وآخرون قضوا تحت التعذيب، أنا حملت السلاح دفاعا عن نفسي و أتمنى أن لا أجبر على استخدامه . أبو ممدوح أربعون سنة قال “والدي قتل في أحداث حماة عام 1982، شاركت في الثورة منذ بدايتها وكنت أحلم بالخلاص من هذا النظام بشكل سلمي كما حدث في مصر وتونس، لكن اليوم وبعد كل هذه الدماء التي سالت لن أترك سلاحي وسأقاتل حتى القضاء على هذا النظام، هؤلاء استولوا على السلطة بالقوة وحافظوا عليها بالقمع والترهيب والقتل ولا يمكن إزالتهم إلا بالقوة ...وأطالب العالم التدخل لمساعدتنا بكل الوسائل. جيش النظام يسيطر حيث يتمركز فقط الثوار ومجموعات الجيش الحر الذين يركزون عملياتهم اليومية على مراكز الأمن المنتشرة في المنطقة وعلى أطرافها صنعوا واقعا جديدا أرعب الجيش المنتشر في منطقة أصبحت معادية وخطرة على وجوده. الحركة الأكثر لآليات الجيش هي لإحضار الطعام اليومي للوحدات العسكرية المنتشرة على الطرق الرئيسية، الناس يعرفون التوقيت ويتجنبون التواجد قرب الطريق. قرى وبلدات الزاوية يحرسها أبناؤها دخلنا المناطق المحررة حيث ترتفع المعنويات وتبدأ أحاديث البطولة ... نشاهد علم الاستقلال في كل قرية نمر بها، وكذلك غرف حراسة متواضعة على مداخل القرى الفارغة في النهار ويشغلها شباب مسلحون بأسلحة فردية في الليل مهمتهم التدقيق بكل سيارة تدخل إلى المنطقة، ورغم استمرارالمطربالسقوط بغزارة، فالناس يتحركون ويتنقلون بحرية، فمنذ ثمانية أشهر لم تعد القوى الأمنية قادرة على الدخول إلى المنطقة إلا بمرافقة المدرعات العسكرية ولفترة زمنية قصيرة تنسحب بعدها باتجاه طريق حلب دمشق. والناس تعاني هنا من نقص كل شيء وخاصة المحروقات التي وجودها أصبح نادرا مع شتاء قارس في قرى جبل الزاوية، حيث يعتمد معظمهم على ما جمعوه من حطب وأخشاب أثناء الصيف والناس تعاني من نقص في الكثير من المواد الأساسية بسبب صعوبة نقل المواد ومرورها على حواجز النظام، إضافة إلى الغلاء الذي تفاقم وطال كل ما يحتاجه الإنسان للعيش. الثوار هنا يتحركون بحرية بعضهم ناشط سياسي وبعضهم مطلوب لدوره في المظاهرات، الجيش الحر والمسلحون الهاربون من مناطق أخرى يسيطرون على المنطقة يشكلون مجموعات مترابطة تنسق فيما بينها بما أتيح لها من وسائل اتصال وتعمل على مهاجمة الحواجز الأمنية بأسلحتها الخفيفة وبعض قاذفات (آر بي جي). قنابل الغاز للتنويم ومن ثم القتل قبل حوالي شهر ونصف أي قبل دخول الجيش إلى جبل الزاوية وارتكابه مجزرة كبيرة في وادي بدمايا غرب جبل الزاوية حيث قتل عناصر الأمن والشبيحة حوالي مائة شخص في يوم واحد منهم 56 شابا ألقي القبض عليهم بعد مهاجمتهم بقنابل غاز (منوم) تمت تصفيتهم بالرصاص وهم مقيدون جلهم من كفرعويد، فقبل هذا التاريخ كانت المنطقة تنعم بالحرية كما قال أحد الناشطين الميدانيين “كان الناس هنا يتظاهرون ويبدعون أشكال احتجاج ويغنون ويتواصلون، تواصل غير مسبوق، ثوار حماة (بعد اقتحامها) وكل المطلوبين والناشطين في المناطق المحيطة يعيشون في جبل الزاوية نتشارك معهم كل شيء نتقاسم الألم كما الخبز والفرح والثورة وقطاف الزيتون”. ويضيف “المظاهر المسلحة كانت تقتصر على الجيش الحر وعلى من ينضوي تحت رايتهم مهمتهم حماية المظاهرات من الأمن والشبيحة نهارا وحراسة المنطقة ليلا والقيام ببعض العمليات النوعية التي تجاوزت حماة والرستن جنوبا وغطت المنطقة حتى الحدود التركية شمالاً”. وأكد “أنه بعد دخول الجيش وسيطرته على الطرق الرئيسية ومداخل البلدات والمدن والقرى في جبل الزاوية وبعد حملة واسعة من الاعتقالات والتنكيل والقتل قامت بها فرق خاصة من الشبيحة ترافق الجيش في محاولة لضرب البنية التنظيمية للثوار والتي نجحت في تفريقهم إلى مجموعات صغيرة انتشرت في كل المنطقة وجبالها المحيطه، اليوم يبدو الوضع مختلفا والكل يتحسر على المرحلة السابقة ويتمنى عودتها قريبا”