على هامش اللقاء مع خادم الحرمين الشريفين الأسبوع الماضي بمناسبة اليوم الوطني، التي شارك فيها عديد من رموز المنطقة الشرقية، جرت خلالها عدة لقاءات مهمة مع مسؤولين وشخصيات دينية واجتماعية وإعلامية من مختلف المناطق. الهم الأكبر الذي تناولته هذه اللقاءات تضمن تعبيراً مشتركاً عن القلق الكبير الذي ينتاب النخب الاجتماعية من مسارات العنف والتشدد التي تسود المنطقة في هذه المرحلة، التي لم يسلم منها واقعنا المحلي أيضاً. وطرحت خلالها عدة تساؤلات: أهمها لماذا وصلنا إلى هذا الواقع السيئ والتعيس والمقلق؟ ومن هو المسؤول عنه سياسياً واجتماعياً؟ وما هو دور الجهات التي تحمل هم الاعتدال في مواجهة هذا السيل العارم من حالة الفوضى والاضطراب؟ في كل اللقاءات كان الهم الوطني حاضراً، والخوف على تبعات مثل هذه الأجواء على وحدة الوطن هو المحرك للنقاش، والشعور بأن هناك أزمات حقيقية ينبغي التصدي لها لمعالجة بعض الثغرات وعلى رأسها تأكيد وضمان المساواة والعدالة الاجتماعية بين جميع المواطنين. الكل يجمع أن حالة الانفلات السائدة في المنطقة العربية سببها الفشل في خلق علاقة بناءة وسليمة بين مؤسسات الدولة العربية من ناحية وبين الجمهور الذي فقد الثقة في قدراتها، خاصة جيل الشباب الذي تحرر من قيود السيطرة والهيمنة، وهيأت له وسائل التواصل الاجتماعي مجالاً واسعاً لاكتشاف ذاته والتعبير عنها. لقد عمل السياسي العربي على تعميق الهوة بين مكونات المجتمع وتفتيت تماسكه، كما استعان أيضاً بقوى ظلامية لا يهمها سوى استبعاد كل من يخالفها فكراً أو موقفاً، بل وإشهار سيف الفتوى والعنف والقهر ضد أي قوة أخرى. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه؛ لماذا تسيطر أصوات التطرف والتشدد على المجال العام، وتهيمن على مختلف وسائل الإعلام، بينما لا يُسمع للمعتدلين صوت أو رأي واضح ومحدد ومؤثر؟ ولماذا ينقاد صناع الرأي من كتاب ومثقفين لمواقف تتناقض مع قناعاتهم ومع رؤيتهم في الوحدة الوطنية وضروراتها؟ المعتدلون صامتون وغائبون أو مغيبون، هذا هو واقع الحال الذي نعيشه، ومعظمهم لا يجرؤون في الإفصاح عن حقيقة آرائهم ومواقفهم حذراً من الوقوف أمام تيار التشدد الجارف، أو مراعاة لمصالح مرحلية آنية. هذا الموقف المتردد والمهادن من قبل شخصيات الاعتدال، هو ما يُنتج فراغاً ثقافياً يملؤه خطاب التشدد والتطرف بكل أشكاله وتعبيراته، كما يوجد فراغاً في معالجة إشكايات حقيقية على صعيد القضايا الوطنية التي يتم تناولها بخجل وتردد. إذا كانت هناك من نتيجة لهذه اللقاءات التي تمثل في الحقيقة حوارات وطنية أهلية، فلعل من أبرزها أن التواصل بين مختلف أطياف المجتمع في المملكة أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضى، وأن الحوار المباشر والصريح بينها سيفضي في النهاية للوصول إلى أرضية صلبة من الفهم السليم والعمل المشترك. كما أن سياسة صمت المعتدلين لم تفض إلا إلى مزيد من صعود خطاب التشدد والتطرف الذي ندفع جميعاً ثمن سكوتنا عليه. من هنا ينبغي الإجهار بخطاب الاعتدال المفضي إلى القبول بالتعددية والتسامح والمساواة، وتجريم كل إساءة أو انتقاص من حقوق أي طرف.