الميزانية هذا العام كبيرة بلا جدال وغير مسبوقة كما يقولون، وهذا صحيح، ولكن المتابع لبعض المواقع والمنتديات ومجالس الشباب وبعض الكتّاب يراهم ينظرون لها نظرة تشاؤمية فيها الكثير من الإحباط، بل إن بعضهم يتحدث عنها بأقسى أنواع التهكم والسخرية والبعض الآخر لا يفرحون بها ولا يتابعون أرقامها، بل يشك أنها أرقام مبالغ فيها وما هي إلاّ حبر على ورق، أتدرون لماذا؟ هؤلاء يعتقدون أن تلك الأرقام الفلكية لا تصب في مواقعها الصحيحة ولا تلامس حاجاتهم الأساسية وأنها تتسرب بطرق ملتوية في جداول موصولة إلى جيوب الهوامير وبحيرات مستقطعة لصالح اللصوص قبل أن تصل أو تلبي بعض حاجات المواطن. وإذا كانت تلك النظرة السوداوية موجودة كما نرى، فلأنها تنظر إلى طريقة صرف تلك الميزانية بطريقة تقليدية منذ عشرات السنين دون رقيب أو حسيب، وأن ما يصل منها يصرف على مشروعات بأرقام قياسية ربما غير صحيحة ومبالغ فيها. والحقيقة أن الناس وصلوا إلى درجة عالية من الوعي والفهم والإدراك، خاصة في هذا الزمن الذي يحيطنا بكم هائل من وسائل الإعلام المختلفة إلى جانب عالم الحاسوب الكبير ما يجعل أية جهة حكومية لا تستطيع الضحك على الناس ولا إقناعهم بالطرق العظيمة المكررة، فمنهم مَنْ يعرفون ما يدور حولهم ويطّلعون على ما يحدث عند جيرانهم حتى إن سعر أي مشروع يستطيع المواطن أن يحدد تكلفته من أول مقاول استلمه في الظاهر إلى آخر مقاول استلمه في الباطن. ألم يقل الملك أدام الله عزه «الخير كثير ولله الحمد والمشروعات موجودة ولا ينقص إلاّ مَنْ ينفذ»، إذن فلا عذر لأي مسؤول بعدها، ولو أن كل وزارة اهتمت بما هو في محيط عملها، وعملت ما في وسعها وراقبت الله في مشروعاتها حسب رغبة ولي الأمر تلك، وقبل ذلك ما يمليه الضمير، لانتهت المشكلات وتقلصت الشكاوى، وإلا فنحن لا نشك في جميع الذمم ولا نخوّن كل النوايا ولا نطّلع على الغيب، وإنما هي رسالة أحسسنا بها ونرسلها إلى المسؤولين المقصرين فقط في مسؤولياتهم التي أقسموا عليها: كيف يلقون ربهم وماذا يكون عذرهم؟ وقفة: النجاح لذة وضياء وفرح، والفشل ألم وظلام وترح.