ولأنها تغريدة فليس من الممكن أن تقرأها بسياق معيّن، كتبها الشيخ بأسلوبه المعتاد الذي يجعل باب الاحتمالات موارباً، فهو -غالباً- يُشير ولا يُفصح، بما يضمن أن تبقى كل خطوط «العودة» ممكنة، فديدنه أن لا يقول نعم ولا يقول لا، عندما ينشغل الرأي العام بقضية ويحرّضه متابعوه على اتخاذ موقف فإنه يلجأ في أكثر الأحيان لكتابة آية قرآنية أو حديث شريف بتغريدة منفصلة لو قرأتها متجرداً من الحدث والزمان فلن تبادر لذهنك سوى (الخير)! فمثلاً عندما تضجُّ آراء المختصمين بين مؤيدي ميدان التحرير وبين ميدان رابعة، فإنه لا يقف مع أي من الصفّين، بل يكتفي بأن يكتب: (من صبر كثيراً فعليه أن يصبر قليلاً!)، تبدو للوهلة الأولى مجرد حكمة، بل وحتى للوهلة الأخيرة لو كنّا نعلم أن الشيخ يقف على الحياد.. في الأسبوع الماضي أشعل العودة المغرِّدين وأشغلهم حيث كتب: (أحياناً يشهد العالم انتصار التخلف على المدنية وزحف البادية على الحواضر!)، كانت التغريدة -قبل أن يعود ويحذفها- لا يمكن تفسيرها بغير معناها الظاهر، فزحف التخلف على المدنية أشبه بزحف البادية على الحواضر، وهبّ الجميع كالعادة بين فريق مهاجم بقسوة انطلاقاً من مبدأ (فنجهل فوق جهل الجاهلينا)، وفريق يُطالب بالتروّي وقراءة التغريدة بعمق وليس بمعناها الظاهر، لكن حذف التغريدة جعل الفريق الأول يؤمن بأن التصرف بالحذف يعني أن المُريب قال خذوني! الغريب من الشيخ الداعي دوماً للحوار مع الآخر تجاهُل ما سببته تغريدته التي أُنشئ لها (هاش تاق)، وهو الذي بإمكانه ببساطة أن يوضح القصد ويعتذر عن صياغته التي سببت سوء فهم للقارئ، فالصمت جعل الغاضبين يؤمنون بأنه كان متعمداً الإساءة، فيما المؤيدون حيّوه على صمته و«زغردوا» على طريقة المتنبي «ويسهر الخلق جرّاها ويختصموا». اللغة المواربة التي تجعل فراغاً في آخر السطر تجعل المتلقي يخمّنها أو يقولها إنابة عن المتحدث بدأها العودة منذ برنامج «حجر الزاوية» الذي كان يطالب فيه ب»التغيير» انطلاقاً من قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)، وليس من شعار حملة أوباما (الأمل والتغيير)، فهو يُطالب أن يغيّر الفرد نفسه، فمتى ما أصبح الفرد قادراً على تغيير نفسه فهو بالتأكيد قادر على تغيير (……)، تركت ما بين الأقواس فارغاً، فإن أكمل أحدكم مابين الأقواس فهذا رأيه فلم أقله أنا ولم يقله الشيخ!