النماص – محمد عامر مخالفون أزالوا غابات شمال عسير.. ومتسترون يحمونهم بالسلاح. الحفاظ على البيئة وتنميتها يتطلب توفير 200 ألف وظيفة. «الزراعة»: نتصدى للتفحيم المخالف بكل حزم.. ومشايخ القبائل تعهدوا بالدعم. الشهري: شكوانا حبيسة الأدراج.. وتجريف الغطاء النباتي مستمر. الشرطة: دورنا رقابي.. نتابع البلاغات ونضبط المخالفين. البوق: قريباً ستتضاعف المحميات لتصل إلى 10% من مساحة المملكة. تركستاني: لا غنى عن التثقيف بخطورة التفحيم على البيئة والإنسان. تتعرض جبال شمال منطقة عسير والمناطق الواقعة بينها سواء في السهول أو مناطق السراة بشكل عام منذ أعوام لعمليات إبادة للأشجار من احتطاب جائر وعمليات للتفحيم من قبل مجهولي الهوية بمعاونة من مواطنين ضعاف النفوس في صورة من صور الخيانة للوطن وتدمير مقدراته وبيئته لدرجة وصلت حتى إلى حماية هؤلاء المجهولين بالسلاح. وبالرغم من الحملات الأمنية الذي يصفها أهالي تلك القرى بأنها مقتضبة ومقصورة على امتداد الأماكن التي تصلها خطوط مسفلتة، إلا أنه مازال هناك نشاط ملحوظ في تقطيع الأشجار الخضراء وتفحيمها، ومن ثم وضعها في مواقع يعرفها من يتسترون عليهم لتهريبها عبر المواشي من الجبال إلى مواقع تسليمها للمهربين وبيعها بمبالغ مالية كبيرة. «الشرق» تفتح ملف هذه القضية الشائكة الذي طالما أثار حفيظة الأهالي طوال هذه السنوات رغم شكاواهم المتعددة، ورصدت بالصور خلال الأسبوعين الماضيين نشاطاً ملحوظاً لتلك العمالة مع حجم الدمار الذي تعرضت له تلك الجبال وغرف التفحيم وحماية المواطنين بالسلاح للعمالة المجهولة ومنع الاقتراب منهم خلال قيامهم بالعبث في البيئة، بالإضافة إلى غرف التفحيم التي يقومون بعمليات التفحيم فيها. حماية المخالفين بالسلاح! يحكي عامر الشهري عن أضرار واسعة لحقت بالبيئة في تلك الجبال الشامخة التي تحولت من غابات كثيفة إلى مواقع خاوية. ويقول: منذ عدة أعوام ونحن نعاني، في جبال قرى سفيان ومحبة، من عمليات الاحتطاب الجائر والتفحيم، حيث تحولت تلك الجبال إلى أراضٍ قاحلة لا توجد فيها الأشجار التي كانت تزينها وسط تغافل من الجهات المعنية التي ظلت شكاوانا حبيسة أدراجهم دون النظر فيها بجدية، في حين تتعرض الجبال للتصحر من قبل مجهولين تحت حماية مسلحة من المتسترين عليهم من ضعاف النفوس. ويؤكد الشهري أنه أبلغ الجهات الأمنية بما يحدث بدافع من حسه الأمني، إلا أنه بكل أسف لم يكن هناك تعاون من قبلهم سوى القيام بجولات قليلة ضُبطت خلالها عديداً من أكياس الفحم، علماً بأنه تم إبلاغهم بمن يقوم بمثل هذه الممارسات. ويشير إلى أنه ساعد مجموعة من المواطنين في المحافظة على إتلاف 283 كيساً من الفحم، كانت معدَّة للتهريب والبيع في المناطق الواقعة بين قرى السراة وتهامة في الموقع المسمَّى «أصدار شري». كما تم العثور على غرف وكهوف في الغابات الجبلية وُضِع الحطب فيها تمهيداً لتجهيزه. ولفت الشهري إلى أن المخالفين يختبئون في مناطق جبلية وعرة لا تصلها في الغالب الدوريات الأمنية. وناشد أمير منطقة عسير بالتدخل لرفع معاناتهم ومحاسبة المتسببين في مثل هذه التعديات على البيئة ومن يقف خلفهم من ضعاف النفوس وكذلك الجهات المعنية التي يرى أنها لم تقم بدورها الكامل. تأثير خطير للاحتطاب إبراهيم عارف ويحذر أستاذ علوم الغابات في جامعة الملك سعود رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للعلوم الزراعية الدكتور إبراهيم محمد عارف، مما أسماه التأثير الخطير لعمليات الاحتطاب والتفحيم على الغطاء النباتي والغابات وعلى حياة الإنسان والحيوان من عدة نواحٍ. حيث يشير إلى أن من أخطر تلك الآثار تدمير أشجار يتراوح عمرها الزمني بين 50 و300 سنة، وتدمير وفتح فجوات داخل المجموعات الشجرية تساعد على نمو النباتات الدخيلة، وتدمير التنوع الأحيائي والنظام البيئي في الغابات. ويقول إن الاستمرار في ممارسة الاحتطاب والتفحيم بانتقائية قد يؤدي إلى فقد نوع أو أكثر من تلك الأشجار ما يهدد بانقراضها، علماً بأن لدينا فقط 73 نوعاً شجرياً سواء من الأشجار أو شجيرات. وعلى صعيد تأثير الاحتطاب على حياة الإنسان، فإن قطع الأشجار يحرم الإنسان في هذه المنطقة من الأوكسجين والاستمتاع بالجمال خلاف التلوث البيئي بسبب التفحيم. أسباب التعدي ويرُد عارف أسباب التعدي على الغابات إلى أن الناس في السعودية يعشقون شب النار، ويميلون إلى استخدام الحطب والفحم المحلي، كما أن انتشار المطاعم والرغبة في التفنن باستخدام الحطب المحلي ساهم في تفاقم المشكلة. زد على ذلك التركيز على نوع أو نوعين، بالإضافة إلى زيادة أسعاره مقارنة بالمستورد، ما جعل الرغبة في الحصول عليه متنامية، كما يلفت إلى عدم احترام ضعاف النفوس من المواطنين للتشريعات الجديدة المتعلقة بمنع الاحتطاب والحفاظ على التنوع النباتي، فضلاً عن انتشار العمالة السائبة والتستر عليهم ووجودهم في أماكن بعيدة عن أعين الأمن، ناهيك عن الإهمال وعدم المتابعة من قبل الجهات المسؤولة في إمارات المناطق، والتساهل في إيجاد استراتيجية وطنية للغابات. كما ساعد الجفاف على تهالك الأشجار ومن ثم سهولة قطعها. ويبين عارف أنه قد لا يبدو تأثير جريمة بيئية واحدة خطراً، ولكن تقييم التبعات الحقيقية للإجرام البيئي يجب أن يشمل التأثير المتراكم للانتهاكات البيئية المتكررة على مر الزمن؛ فالمؤسسات والأفراد الذين ينتهكون الأنظمة البيئية، يميلون إلى ذلك كجزء من ممارساتهم المهنية الروتينية، ما يسبب تردياً بيئياً مزمناً؛ لذا فإن التقصير في إنفاذ القوانين، حتى فيما يخص انتهاكات قد تبدو في ذاتها ضئيلة الأبعاد نسبياً، يسمح بمواصلة وتفاقم الأضرار البيئية. دور تثقيفي وحول دور الجمعية في حماية الغابات يقول الدكتور عارف: إن دور الجمعية السعودية للعلوم الزراعية كان مقصوراً على الجوانب التثقيفية، حيث عقدت الجمعية عدداً من المحاضرات وورش العمل وأصدرت بعض الإصدارات؛ ومنها دور الأشجار البقولية في تثبيت النيتروجين في أراضي الغابات. ويستطرد فيقول «أنجزت كلية علوم الأغذية والزراعة بالتعاون مع مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وبدعم مادي مباشر من وزارة الزراعة أكبر مشروع لحصر الغابات. وغطت الدراسة من شمال محافظة الطائف حتى طلان في جازان، وصدرت خمسة مجلدات بهذا الخصوص وكان هناك 48 توصية هي خلاصة المشروع؛ وأهمها الحفاظ على أشجار الغابات بالطرق العلمية التنموية وزيادة مساحتها والمتابعة وزيادة الكوادر الوطنية في مجال الغابات. مطلوب 200 ألف كادر ويعتبر عارف أن الحل يكمن في زيادة الكوادر الوطنية في مجال علوم الغابات، حتى يكون لهم دور في مجال التنمية والزراعة والحفاظ على البيئة؛ فغياب الكوادر الوطنية سيقود إلى زوال الغابات بعد عشر أو عشرين سنة. ويقدر عارف حاجة الدولة ب 200 ألف موظف ما بين مهندسين وفنيين ومراقبين وعمال حتى تكتمل منظومة الحفاظ على البيئة، ويرى أنه من المهم بمكان، الاستفادة من المياه المعالجة في زراعة الأشجار بعدد من مناطق المملكة، وأن يبدأ ذلك بأنواع بديلة للأنواع المحلية، كحل وحيد، لافتاً إلى أن البيئة في المملكة ممتازة للاستزراع سواء في منطقة تهامة أو المناطق الجبلية أو أي جزء من أراضي هذا الوطن، ولنا تجارب علمية منشورة وجاهزة لمن يرغب في معرفة الأنواع ومعرفة القيمة الوقودية لها وكذلك العمر الزمني. عشوائية الاحتطاب.. خطر أحمد البوق من جانبه، يشير مدير مركز أبحاث الحياة الفطرية في محافظة الطائف أحمد البوق، إلى أن قرار منع الاحتطاب صدر عن مجلس الوزراء، وتم تكليف جهات متعددة لتطبيقه ومتابعة تنفيذه، ومن بينها الهيئة السعودية للحياة الفطرية؛ وتضمن حظر الاحتطاب والفحم المحلي وإعفاء الفحم المستورد من الرسوم الجمركية. ويفسر البوق دواعي صدور القرار بأن المملكة من المناطق الصحراوية التي تنخفض فيها معدلات الأمطار في عدة جهات، منها ما يحد من نمو الغطاء النباتي الشجري بها، كما أن عمليات الاحتطاب تتم بطرق مدمرة للبيئة. وبينما كان المحتطبون القدامى يمارسون الاحتطاب مع الحرص على الغطاء النباتي عبر أخذ اليابس من الأشجار، أصبحت المناشير الكهربائية تستخدم الآن لاجتثاث الأشجار من جذورها سواء الأخضر منها أو اليابس، ما أدى إلى تدمير نطاقات واسعة من الغطاء النباتي. مضاعفة مساحة المحميات ويلمح البوق إلى أن الأشجار لها قيمة تفوق بكثير قيمة الحطب، ومن ذلك دورها في تحقيق التوازن البيئي، وفوائدها الطبية، حيث يستخدم بعضها في الطب الشعبي والبحث العلمي، فضلاً عن قيمتها الترفيهية والترويحية في السياحة البيئية والمردود الكبير لها، والأهم من ذلك كله التوازن البيئي، ومن بينها أنها تلعب دوراً مهماً في الحد من تدفق مياه الأمطار التي تتسبب في حدوث فيضانات مدمرة. ويشير البوق إلى أن دور الهيئة في هذا الصدد ينقسم إلى شقين أولهما ما يتعلق بالمناطق المحمية التابعة للهيئة وتحت إدارتها؛ حيث يوجد لدى الهيئة 15 منطقة محمية معلنة تمثل 4 % من مساحة المملكة بما يقدر ب 85 ألف كيلو متر مربع تقريباً، كما أن لديها خطة استراتيجية للتوسع في المناطق المحمية بما سيرفع مساحة المناطق المحمية حال اكتمالها إلى 10% من مساحة المملكة. ويبين أن المواقع المحمية تراقب من قبل جوالي الهيئة ومراقبيها، ولا يوجد فيها تعدٍّ بالاحتطاب، وإن وجد فهي حالات ضئيلة جداً نظراً لإحكام الرقابة عليها. أما الشق الثاني فيقع خارج المناطق المحمية وهنا يقتصر دور الهيئة على التعاون مع الجهات الأخرى. التغريم مطلوب فهد تركستاني ويشدد مستشار الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة الدكتور فهد عبدالكريم تركستاني، على أهمية أن يكون للجهات المعنية دور فاعل في التثقيف بأهمية الغطاء النباتي، بالإضافة إلى الوقوف بحزم من قبل الجهات المسؤولة عن تطبيق الغرامات والجزاءات بحق من يمارس عمليات الاحتطاب الجائر والتفحيم؛ نظراً لما يسببه حرق الغابات بشكل أو آخر من تأثير على الغطاء النباتي. وأفاد تركستاني أن عملية التفحيم تنتج غازات كيميائية، كما تخلِّف تلك العمليات مادة «الرماد» التي تضر المواشي وتؤثر على الإنسان بصورة غير مباشرة نتيجة استهلاكه لحوم تلك الحيوانات المتأثرة بهذا التلوث. الشرطة: دورنا رقابي وفي السياق ذاته، يشير الناطق الإعلامي المكلف بشرطة عسير النقيب محمد مشبب الشهراني، إلى أن دور الشرطة رقابي عبر الدوريات الأمنية والتعامل مع تلك البلاغات التي ترد بهذا الخصوص، حيث يتم القبض على المخالفين وتسليمهم لجهات الاختصاص لتطبيق العقوبات بحقهم. ويهيب الشهراني بضرورة تعاون المواطنين والإبلاغ عن كل من يمارس تلك التصرفات. المجاردة.. بلا مخالفات عبدالله الرعيني من جانبه، يفيد مدير فرع وزارة الزراعة في محافظة المجاردة محمد الغاوي، أن عمليات بيع الفحم وتهريبه يتم التصدي لها بحزم عبر جهود الإدارات الحكومية بناء على توجيهات أمير منطقة عسير الأمير فيصل بن خالد، لافتاً إلى أن دور الفرع يقتصر على الرقابة فقط، في حين يناط بالجهات الأمنية ضبط المتورطين وإحالتهم إلى جهات التحقيق لتنفيذ العقوبة المناسبة بحقهم. ويؤكد الغاوي أن المحافظة أصبحت خالية تماماً من محلات بيع الفحم المخالفة، مشيراً إلى وجود مراقبين للفرع ينتشرون على نطاق المواقع التي يخدمها الفرع، كما يتم القبض على عديد من المتورطين من المجهولين، إضافة إلى المتواطئين معهم من المواطنين في بيع وتهريب الفحم. وألمح إلى أنه تم التأكيد على مشايخ القبائل وأخذ التعهدات اللازمة عليهم بالإبلاغ عن كل من يقوم بمثل هذه التصرفات. ويشير إلى أن الحملة الأمنية لتتبُّع المخالفين ومجهولي الهوية فضلاً عن عمليات تصحيح العمالة، أسهمت بشكل كبير في تسهيل مهمة المراقبين لضبط المخالفين الذين يتاجرون في تهريب الفحم والتحطيب الجائر. من جانبه، اعتذر محافظ المجاردة عبدالله سعد الرعيني عن الحديث حول هذه القضية، مكتفياً بقوله: ليس لدي صلاحية للتصريح وعليكم مراجعة متحدث الإمارة. ** وأخيراً.. تبقى حماية البيئة مسؤولية جماعية، لا تقتصر على جهة دون أخرى. ومن ثم فبقاء وتنامي ظاهرة الاحتطاب يعني أن هناك خللاً ما في مواجهة ذلك السلوك غير المسؤول، وهو ما يتطلب من جميع المعنيين بذلك مراجعة أدوارهم لتصحيح المسار. غرفة تفحيم تنتظر اكتمال تجريف الأشجار لتفحيمها أكياس الفحم جاهزة للتهريب والتوزيع