حفر الباطن – مساعد الدهمشي عبدالرحمن: هناك مناطق في إثيوبيا يعيش بها متوحشون. الهايل: الأسرة تتحمل جزءاً من وزر جرائم العمالة المنزلية. الهويملي: أطالب بفتح المجال للاستقدام من جنسيات أخرى. العنزي: لماذا لا نتوسع في استقدام العمالة البنجلاديشية؟. الرقيطي: جنايات العمالة لا تتجاوز 1.5%.. والاختلاء بالمُحْرِم يتجاوز 32% خلود: غابت التهيئة المسبقة واشتدت الضغوط فتصاعدت حالات العنف. نشطت في الآونة الأخيرة حملات ضد العمالة المنزلية من جنسيات معينة، وكأن تلك العمالة جاءت لتقتل وتسرق وتشيع الفساد في الأرض. وبدت معظم الكتابات التي تناولت هذه القضية منحازة تحت تأثير الضغط الإعلامي الذي حوّل حوادث فردية بشعة إلى قضية عامة، ما احتمل شبهة عنصرية غير مبررة. وبينما تعرضت العمالة الإثيوبية لضغوط كبيرة بعد تكرار حوادث قتل خادماتٍ أطفال مَنْ يعملن لديهم، جاءت العاملات الإثيوبيات ضمن أهم خمس جنسيات يفضل السعوديون استقدام عمالتهم المنزلية منها. ويكشف ذلك التناقض الظاهري عن قراءة مغلوطة لواقع تلك العمالة، وتحيز غير مبرر تجاه عمالة تشكل جانباً مهماً من قطاع العمالة المنزلية في المملكة. فكيف يمكن تفسير هذا التناقض؟ وهل يستند لمبررات منطقية؟ موقف العمل غير واضح بداية، نُذكر أن وزارة العمل أغلقت مؤخراً باب الاستقدام من إثيوبيا في أعقاب سلسلة من حوادث القتل التي ارتكبتها عاملات إثيوبيات وراح ضحيتها أطفال من أسر كفلائهن. ولم تبد الوزارة مبررات لهذا المنع سوى أنها ستراجع بعض الأحداث التي وقعت منهن في الآونة الأخيرة. وحتى الآن لم تكشف الوزارة عما إذا كانت قد سمحت باستئناف الاستقدام من إثيوبيا أم لا. ولعل من الأمور اللافتة أيضاً أن وزارة العمل لم تتحدث عن العمالة الإثيوبية الموجودة بالفعل في المملكة، ومستقبل تلك العمالة، كما لم تطلق أبحاثاً أو دراسات ميدانية مع كفلاء تلك العمالة للوقوف على مدى ملاءمتهم للقيم السعودية، وما إذا كانوا يشكلون خطراً فعلياً على المجتمع. ولذلك يبدو التعاطي مع قضية هذه الشريحة من العمالة المنزلية منقوصاً ومتذبذباً، فلا هو حسم القضية الرئيسة وهي حوادث القتل، ولا كشف عن البدائل المنطقية للعمالة الموجودة وهي ضخمة بكل تأكيد. أثر سلبي مزدوج على صعيد آخر، انطلقت كتابات تنزع إلى شيطنة العمالة الإثيوبية وتصويرها على أنها تضمر الشر للمجتمع السعودي، وهو تحامل ربما انطلق من حالات فردية. لكنه يطرح على الجانب الآخر أكثر من قضية مهمة وهي الشروط الموضوعة لدى استقدام الإثيوبيين، وهل تنص مثلاً على أن يحملوا مؤهلات تناسب العمل الذي يستقدمون من أجله، وما طبيعة البيئة التي يعملون فيها، وهل هي بيئة صحية أم تساعد على إفراز سلوكيات غير حميدة، وما طبيعة الحقوق التي تحصل عليها العمالة المنزلية، وجميعها أسئلة لم تكشف عنها وزارة العمل، ولا أجرت دراسات حولها. ويبدو أن ما نشر إبان تلك الحوادث الأليمة، ترك أثراً نفسياً في اتجاهين، الأول على العمالة الإثيوبية التي أصبحت اليوم مهددة بالاستغناء عن خدماتها، كما حُمِّلت وزر أفراد منها، وأضفيت عليها صورة ذهنية غير دقيقة. أما الاتجاه الآخر، فهو تأثر مَنْ يكفلون عمالة إثيوبية بحملات التخويف، التي جعلتهم مترددين بين قبول استمرارها على تخوف وريبة، وبين إبعادها للتخلص من أدنى احتمال بخطرها. ليست حالة جمعية في هذا الصدد، لا تشك اختصاصية العلاج النفسي والسلوكي خلود العنزي في أن ارتباط بعض الاضطرابات النفسية بالقتل شيء ليس بالجديد، حيث إن بعض الأمراض النفسية تعد أسباباً مهمة في عالم الجرائم. وقد يرتكب المريض النفسي جريمة القتل بناءً على أوهام وضلالات وهلوسة تشوش تفكيره لتجعله يقدم على قتل أحدهم أو قتل نفسه تحت تأثير حدة تلك الضلالات. لكنها تستبعد أن ترتبط تلك الضلالات التي تعاني منها جماعة معينة أو قبيلة ما باضطراب نفسي جماعي، بقدر ما تصنّف على أنها «خزعبلات» أو ضلالات لا يشترك فيها العقل السليم، الذي ينزع إلى تمحيص الأمور ولا يستجيب إلا لما يقتنع به. وتعتبر أن أي مجتمع لديه نسبة من الخرافات لا تشكل حالة جمعية. وتقول إن أغلب جرائم القتل التي تنتج عن مرض نفسي هي من الجرائم المتسلسلة وليست تلك المبنية على اعتقادات خاطئة خاصة بفئة أو قبيلة أو جماعة ما. وبالتالي ترى أنه حتى نتمكن من اعتبار جرائم قتل الأطفال التي تكررت في الفترة الأخيرة جرائم متسلسلة يجب أن نفحص العمالة الإثيوبية عقلياً ونفسياً فحصاً دقيقاً، فضلاً عن مراجعة سجلاتهن في البلد القادمات منه. بيئة غير صحية وفي السياق ذاته، تلفت العنزي إلى أن الرأي الآخر الذي قد يفسر هذه الجرائم، هو أن أولئك العاملات لم تتم تهيئتهن للعمل. وتضيف أنها علمت عن رغبة بعض العاملات في الرحيل بعد فترة قصيرة من قدومهن، لكنهن أجبرن على العمل رغماً عنهن، وبالتالي انهرن تحت كل هذا الضغط، خاصة إذا تعرضت العاملة لمعاملة سيئة من قبل العائلة التي تعمل لديها أو وجدت أنها تتحمل أعباءً لا طاقة لها بها. وتفسر العنزي لجوء الخادمات المتهمات بالقتل إلى قتل الأطفال بشكل خاص، بأن الأم قد تغفل أهمية تنشئة أطفالها على احترام العاملة المنزلية ومعاملتها بشكل جيد، في الوقت الذي تحتاج فيه رعاية الطفل إلى صبر كبير من قبل المربية أو الخادمة، ويتزامن ذلك مع ضغط كبير على العاملة لأداء واجبات منزلية أخرى، وافتقادها في الوقت نفسه إلى التقدير والاحترام، وبالتالي يصل الأمر بالخادمة إلى حافة الانهيار، فتصب غضبها على الأشخاص الأضعف في العائلة وهم الأطفال. مطلوب إجراءات دقيقة لكنها بتفسيرها هذا لا تبرر تلك الجرائم البشعة، بل تكتفي بتحليلها، وتطالب في الوقت ذاته بأن تتخذ إجراءات دقيقة لضبط آليات اختيار العمالة المنزلية، لأنها من أخطر المهن التي نستقدمها. كما تدعو العائلات إلى أن تتحلى بتفهم أكبر للوضع النفسي للخادمة، وعدم الضغط عليها أو إهانتها، وليكن قدوتنا في ذلك رسولنا الحبيب، الذي قال في حديث رواه عنه أبو ذر «إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللّه تحْتَ أيْدِيكُمْ. فَمَنْ كَانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مما يأكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِما يَلْبَسُ. ولا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فإنْ تكلَّفوهُمْ فأعِينُوهُمْ». قضايا نادرة.. لكن مؤثرة على صعيد ذي صلة بالقضية، يكشف الناطق الإعلامي باسم شرطة المنطقة الشرقية المقدم زياد بن عبدالوهاب الرقيطي أن قضايا الخادمات المسجلة في شرطة المنطقة الشرقية لا تزيد على 1.5% من إجمالي القضايا الجنائية بكل المهن. لكنه في الوقت ذاته يشير إلى أن قضايا الاختلاء بالمَحْرِم هي الأعلى تسجيلاً لتلك الفئة بنسبة 32% مقارنة ببقية أنواع القضايا المرتبطة بمهنة الخدم تليها قضايا السرقة ثم السحر. ويؤكد الرقيطي أن القضايا المرتكبة من قبل فئة العمالة المنزلية الإثيوبية لا تقتصر على ما سبق ذكره، بل تنسحب على قضايا أشد خطورة كالقتل والانتحار والاعتداء، ولكن بنسب منخفضة، لكن خطورتها تجعلها الأشد تأثيراً في أوساط المجتمع وتتصدر القضايا المتداولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي. دور الأسرة مهم ويعتبر الرقيطي أنه لا توجد إمكانية لمنع تلك الجرائم، لأنها تمثل سلوكاً بشرياً لا يمكن التحكم فيه أو إيقافه، ولكن يمكن الحد منها والتقليل من فرص ارتكابها من خلال تقصي المعلومات اللازمة عن الخادمة قبيل استقدامها بواسطة قنوات سليمة ومكاتب ذات خبرة ودراية باستقدام الخادمات. ويوصي الرقيطي بحسن معاملة العمالة المنزلية، من خلال مناولتهن أجورهن ومستحقاتهن دون تأخير أو تهاون، ومراقبتهن بين الحين والآخر، كما هو الحال في مراقبة الأبناء. كما يدعو إلى العمل على احتوائهن في محيط العائلة والتحاور معهن في عدد من المجالات التي تعنى بها لمعرفة كيفية تفكيرها والتنبؤ بما يمكنها القيام به، ومدى خطورة ما يمكن أن تقوم به من تصرفات. خففوا الأعباء عنهن ولا يُحمِّل وائل الهايل العاملات المنزلية كامل المسؤولية فيما يحدث من مظاهر انهيار قيمي، بل يرى أن الأسرة، وتحديداً ربة المنزل، يقع عليها جانب من المسؤولية، حيث يدعو إلى تنمية خبرات ربات البيوت في التعامل المميز مع العاملة وعدم إهانتها أو القسوة عليها، كما يحرّض الأسر على التوقف عن تحميل العاملات ما يفوق قدرتهن على التحمل، فهي بلا شك إنسان ولها حق الراحة البدنية والنفسية. مخاوف صنعها الإعلام على الجانب الآخر، يتخوف عدد من المواطنين من استقدام العمالة الإثيوبية متأثرين بالفيض الإعلامي الذي شيطن تلك العاملات الإثيوبيات وعمم جرائم فردية عليهن. إذ يصف مشعل الهويملي بعض العاملات الإثيوبيات بالوحوش السوداء، وهو وصف تجاوز الحقيقة، مستشهداً في ذلك بقضايا القتل والانتحار التي ترتكبها إثيوبيات. ويرى أن تلك القضايا كفيلة بمنعهن من دخول المملكة، مبيناً أن عينة منهن يشكلن خطراً على الكبار قبل الأطفال. ويبدو أن الألم الجماعي الذي تسببت فيه تلك الحوادث طغى على تفكيره وجعله يظن السوء بجميع العاملات الإثيوبيات، إذ يُحمِّل مكاتب الاستقدام مسؤولية الاختيار الخاطئ في استقدام العاملات المنزليات، مشيراً إلى أن العاملات التي يعملن لدى الغالب من العوائل لا يتحدثن العربية، ويجدن صعوبة في تعلمها، نتيجة لما وصفه بأنه تدني في مستوى مؤهل العاملة المنزلية، وقد يكون سبباً في هروب العاملة من المنزل. وتأسيساً على ما بناه من أفكار حول العاملات الإثيوبيات، يطالب الجهات المعنية بفتح المجال لاستقدام عاملات من جنسيات أخرى لا تشكل خطراً على المواطنين. ويقف مقبل العنزي في خندق المتخوفين من العمالة الإثيوبية، إذ يعتقد أن «غالبية الإثيوبيات شر، إما على الأطفال أو على أهل الأطفال»، ويبرر موقفه بما وصفه بأنه عشرات الحالات في المملكة والدول المجاورة. ويتساءل، بما يؤكد قلقه، فيقول مَنْ يأمن على نفسه وحوله إثيوبية؟ لكنه ينزع إلى نجاح العاملات من الجنسية البنجلادشية، واضعاً علامات استفهام على سبب إيقاف الاستقدام من هناك لأسباب مجهولة رغم رخص هذه العمالة وجودتها في الغالب. وربما ساعد في بناء تلك الصورة لديه سواء تجاه العمالة الإثيوبية أو البنجلاديشية نقص المعلومات المحايدة والدراسات التي كان على الجهات المعنية في المجتمع أن تجريها لتسترشد بها جهات الاستقدام. شهادة تستحق القراءة من جانبه، يقول أحد سماسرة العمالة الإثيوبية ويدعى عبدالرحمن ل «الشرق» إنه يملك مكتباً لتشغيل العمالة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، ويقر بأن هناك أماكن في إثيوبيا أهلها بالفعل متوحشون ويحملون السكاكين والأسلحة الثقيلة كمدينة «ريانا بوبو» وقرية «أروسي»، التي يتميز أهلها بالشراسة، وتميل بشرتهم إلى السواد الداكن. ويقول إن هؤلاء يقتلون أي شخص غريب عن هذه البلدة أو أي شخص يعترض طريقهم. وفي الوقت ذاته يمتدح أهالي منطقتي «وولو» و «قوراقي» اللتين تبعدان عن العاصمة نحو 400 كيلو متر. ويشير إلى أن نسبة المسلمين في هاتين المنطقتين تصل إلى 90%. ويشير عبدالرحمن إلى أنه يحرص على الاستماع إلى أسباب تضجر بعض العاملات الإثيوبيات من العمل لدى بعض الأسر، مبيناً أن معاملة بعض العوائل السعودية سيئة للغاية، حيث إن بعض العوائل تُحمِّل العاملة المنزلية ما يفوق طاقتها، بحيث تكون مسؤولة عن نظافة المنزل وتربية الأطفال كل ذلك مقابل أجر بسيط، مؤكداً أن القضايا التي تحصل في السعودية كان سببها الضغوطات التي تواجهها العاملات المنزلية في السعودية. ويقول هذا ما يحدث في غالبية الدول ولا تختص به المملكة وحدها. ليس مرضاً نفسياً وينتقد عبدالرحمن نسب قضايا القتل والانتحار إلى مرض نفسي تعاني منه العاملات الإثيوبيات على نحو الخاص، بل يعتبرها حالات فردية، محملاً بعض الأسر جانباً من وزر تلك الجرائم، مفسراً ذلك بأن بعض الأسر تتعمد مضايقة العاملة، إما بتكثيف العمل عليها أو بحجزها داخل غرفة أو وضعها في ظروف وبيئة لا يمكنها أن تعيش فيها. ويبيّن أهمية تهيئة البيئة الاجتماعية للعاملات الإثيوبيات وغيرهن بما يكفل حصولهن على قسط من الراحة يحول دون انهيارهن أو إقدامهن على سلوكيات عشوائية مدمرة. تقصير يجب تلافيه ** وماذا بعد؟ سؤال لم نجد له إجابة فيما يتعلق بوضع العاملات الإثيوبيات اللاتي حاولت بعض وسائل الإعلام وبعض الكتَّاب شيطنتهن وإظهارهن بمظهر المشعوذات والقاتلات المحترفات.. ونرى أن ثمّة تقصيراً فادحاً في دراسة أوضاعهن من قبل الجهات المعنية، ونخص بها وزارتي العمل والشؤون الاجتماعية، ومكاتب وشركات الاستقدام، والمراكز البحثية. فتجيير التهم وتعميمها ليس في صالح المجتمع، وجميعنا يعلم أن ثمّة أزمات متعددة تحيط بفرص الاستقدام من عدة دول. فالخطاب الإعلامي يجب أن يتم ترشيده، والجهد البحثي يجب أن يتم تنشيطه، ولاعزاء للعاملة المظلومة! «شيطنة» العمالة الإثيوبية.. صنعة إعلامية غير مسؤولة