لفت انتباهي خلال زيارتي لمعرض الدوحة الدولي للكتاب الأخير، أحد الكتب التي سردت قصة فيلسوف الإلحاد البريطاني “أنتوني فلو” الذي يعتبر أستاذ كل الفلاسفة الملاحدة الذين ظهروا خلال العقود الماضية. لكن “فلو” كما يورد في كتابه الذي أصدره كان يتبع قاعدة سقراط الفكرية الشهيرة “اتبع الدليل حيث يقودك” وبعد رحلة عقلية استمرت أكثر من خمسين عاما نشر إعلانه المدوي بأن “التصميم الذكي للكون” يعتبر من أكبر الشواهد على وجود إله خالق قادر قام بتجهيز الكون وتهيئته وتمهيده ليكون صالحاً لسكن الإنسان فيه. وأضاف أنه وصل إلى تلك الحقيقة من خلال رحلة عقلية طويلة لا دخل لأي رجل دين فيها. وقد أذهلني ما قرأته في الكتاب من حقائق تبين كيف بدأت الحواجز تتراجع بين حقائق العلم والإيمان، ومن ذلك ما ذكر من أن الفيزياء الحديثة أصبحت تعيش في تخوم الميتافيزياء، وأنه ممن يستوعب ويفهم تشريح وفسيولوجبا وكيمياء المخ ولا يؤمن بوجود الله فإنه لم يفهم شيئاً لأن المخ البشري هو معجزة الله. المتأمل في واقع التدين في أوروبا في القرنين الماضيين يجد أن الإلحاد نشأ بسبب التعارض بين الكنيسة والعلماء التجريبيين. والذي أدى بمرور الوقت إلى انحسار الشعور الإيماني والديني. وبمرور الوقت، اكتشف العلماء والفلاسفة أن هناك ثغرات معرفية لم يستطيعوا سدها بالأدوات العادية، مما دعا إلى البحث عن أدرات أخرى. وفي هذا السياق دعا بعض العلماء والفلاسفة إلى ضرورة التفريق بين كل من العلم والفلسفة. وأنه في أي معرفة لا بد من الإجابة على سؤالين رئيسيين: “لماذا” الغائية الذي تجيب عليها الفلسفة، و”كيف” التي تجيب عليها الألية العلمية التي تعتمد على الحواس الخمس ورأي الأقران والتجربة. مازالت قنبلة “أنتوني فلو” تشق طريقها إلى عقول الفلاسفة والتي يتوقع أن يكون لها صدى كبير، وينتظر أن يكون لها تداعياتها على مراكز البحث والفلاسفة الكبار خاصة الذين كانوا يعتبرونه الأستاذ الأكبر لتصوراتهم عن الكون والحياة.