قرأت ما كتبه الأستاذ خالد السيف عبر صحيفة الشرق بتاريخ 23/ 9/ 1434ه، الموافق1 أغسطس 2013م تحت عنوان: «دعاء ختم القرآن في التراويح .. بدعة بنكهة سلفية». قصاصة من مقالة خالد السيف دعاء ختم القرآن يوسف المحمدي وقبل مناقشة بعض عباراته أحب أن أورد ما قاله الإمام النووي -رحمه الله – في كتابه «الأذكار»(ص: 88) حيث يقول: (روى ابن أبي داود بإسنادين صحيحين، عن قتادة التابعي الجليل الإمام صاحب أنس -رضي الله عنه- قال: كان أنس بن مالك -رضي الله عنه- إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا. وروى بأسانيد صحيحة، عن الحكم بن عتيبة – بالتاء المثناة فوق ثم المثناة تحت ثم الباء الموحدة – التابعي الجليل الإمام قال: أرسل إلي مجاهد وعبدة بن أبي لبابة فقالا: إنا أرسلنا إليك لأنا أردنا أن نختم القرآن، والدعاء مستجاب عند ختم القرآن. وروى بإسناده الصحيح عن مجاهد قال: كانوا يجتمعون عند ختم القرآن ويقولون: إن الرحمة تنزل عند ختم القرآن). وأثر أنس – رضي الله- عنه – رواه الفريابي في فضائل القرآن (ص: 189)، والطبراني في المعجم الكبير (1/242) ورقمه (674)، وابن الضريس في فضائل القرآن (ص: 51) وذكره ابن كثير في فضائل القرآن. انظره بتحقيق الحويني (ص: 275). وصحح ابن حجر هذا الأثر كما في نتائج الأفكار (3/173). قلت لعل فيما أوردته كفاية، وإلا ردي على ما ذكره السيف يحتمل أكثر من ذلك، وبعد هذا الوارد لفعل بعض الصحابة -رضي الله عنهم- وكذلك ما ورد عن بعض كبار التابعين من الدعاء عند ختم القرآن الكريم وحضورهم لذلك والاجتماع له، أقول: -1 لكل من ختم القرآن سلف في هذا الفعل، ويكفي فعل أنس -رضي الله عنه-. وقد صححه الأئمة الأجلاء الذين ذكرتهم . -2 فعل أنس كان معروفاً وكان يجمع أهله وأولاده، ومثل هذا الأمر يشاع ويعرف، ولم ينقل عن أحد من الصحابة مخالفته، والإنكار عليه، وهذا ما يدخله في الإجماع السكوتي. -3 هذا التوارد من كبار التابعين والتابعين عموما، على إقرار هذا الفعل وهو الدعاء عند ختم القرآن- دليل على جوازه عندهم، ولو كان غير مشروع لحذروا منه. -4 قول الكاتب بعد أن نسب هذا الفعل لأنس -رضي الله عنه-: (والاعتبار ههنا بحجية فعل أنس قائم عند القائلين بحجية قول الصحابي ورأيه ليس إلا، وبخاصة إذا لم يخالفه غيره، وتلك مسألة أصولية خلافية). أقول: قول الصحابي ورأيه له اعتباره، لا كما قال الكاتب غفر الله له: (ورأيه ليس إلا) وهذا تقليل من رأي الصحابي، ومعلوم من هم الصحابة في الفهم والعلم والاستنباط. قال الشيرازي في التبصرة (ص:243). في بيان حجة من قدّم قول الصحابي مطلقا: (الصحابي إن كان قد أفتى عن توقيف كان حجة، وإن كان عن اجتهاد، فاجتهاده أولى؛ لأنه شاهد رسول الله – صلى عليه وسلم- وسمع كلامه، فكان أعرف بمعانيه، وما قصده، فكان بمنزلة العالم مع العامي). يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/582). (وقد تأملت من هذا الباب ما شاء الله فرأيت الصحابة أفقه الأمة وأعلمها، واعتبر هذا بمسائل الأيمان والنذور والعتق والطلاق، وغير ذلك ومسائل تعليق الطلاق بالشروط ونحو ذلك وقد بينت فيما كتبته أن المنقول فيها عن الصحابة هو أصح الأقوال قضاء وقياسا وعليه يدل الكتاب والسُنَّة وعليه يدل القياس الجلي وكل قول سوى ذلك تناقض في القياس مخالف للنصوص) أظن أنّ الصورة واضحة فيما هو الراجح في قول الصحابي إذا لم يظهر له مخالف. -5 اعتبر الكاتب هذا الفعل من فرائد أنس -رضي الله عنه- وأنه لم يوافقه أحد من الصحابة. قلت: هذا حجة على الكاتب، حيث فعل أنس – رضي الله عنه – لم يخالفه أحد، مع دواعي علمهم بذلك، وهذا ما يسمى الإجماع السكوتي. وهذا دليل موافقتهم عليه، إذ لو كان محظوراً لخالفوه، ولنقل ذلك، ولكنه لا يوجد خلاف فيها. وإن خالفوه فنرجو من الكاتب تزويدنا بالمخالفين!!. -6 قياسه دعاء ختم القرآن ببدعة المولد قياس مع الفارق، ففي مسألة الاحتفال في المولد يطالب الكاتب بذكر من فعل ذلك من الصحابة، وجوابي: أنه لا يوجد قطعاً، وأما دعاء ختم القرآن ففيه فعل للسلف من الصحابة والتابعين، سواء من كان فعله له خارج الصلاة أو داخلها، فالفعل له أصل. -7 قال الكاتب: «ومما يوهن صحة الاستدلال أيضاً أن ما كان من أنس لا يعدو أن يكون عملاً قام به خارج الصلاة، لعلمه بأن الصلاة عبادة ليس لآحاد الناس أن يحدثوا فيها ما لم يشرع». قلت: لا فرق بين كون الفعل خارج الصلاة أم داخلها. فالفعل إن كان عبادة إن لم يكن مشروعاً فلا يجوز في الحالتين سواء داخل الصلاة أم خارجها. -8 ليس هناك دعاء مأثور في ختم القرآن، والأولى اختيار جوامع الكلم كالدعوات التي دعا بها النبي – صلى الله عليه وسلم-. -9 أما الجواب عن فعل ذلك في الصلاة فقد أجاب عنه سماحة الشيخ ابن باز – رحمه الله – حينما سُئل: ما حكم دعاء ختم القرآن؟ فقال: (الجواب: لم يزل السلف يختمون القرآن، ويقرأون دعاء الختمة في صلاة شهر رمضان، ولا نعلم في هذا نزاعاً بينهم، فالأقرب في مثل هذا أنه يقرأ، لكن لا يطول على الناس، ويتحرى الدعوات المفيدة والجامعة …) ثم قال: (ويختم فيما يتيسر من صلاة الليل أو في الوتر ولا يطول على الناس تطويلاً يضرهم ويشق عليهم، وهذا معروف عن السلف تلقاه الخلف عن السلف، وهكذا كان مشايخنا مع تحريهم للسُنَّة وعنايتهم بها يفعلون ذلك، تلقاه آخرهم عن أولهم، ولا يخفى على أئمة الدعوة ممن يتحرى السُنَّة ويحرص عليها، فالحاصل أن هذا لا بأس به – إن شاء الله – ولا حرج فيه، بل هو مستحب لما فيه من تحري إجابة الدعاء بعد تلاوة كتاب الله – عز وجل -، وكان أنس – رضي الله عنه- إذا أكمل القرآن جمع أهله ودعا في خارج الصلاة انظر مصنف ابن أبي شيبة (30029) فهكذا في الصلاة، فالباب واحد؛ لأن الدعاء مشروع في الصلاة وخارجها وجنس الدعاء مما يشرع في الصلاة فليس بمستنكر . ومعلوم أن الدعاء في الصلاة مطلوب عند قراءة آية العذاب وعند آية الرحمة يدعو الإنسان عندها كما فعل النبي – عليه الصلاة والسلام – في صلاة الليل، فهذا مثل ذلك مشروع بعد ختم القرآن، وإنما الكلام إذا كان في داخل الصلاة، أما في خارج الصلاة فلا أعلم نزاعاً في أنه مستحب الدعاء بعد ختم القرآن، لكن في الصلاة هو الذي حصل فيه الإثارة الآن والبحث، فلا أعلم عن السلف أن أحداً أنكر هذا في داخل الصلاة كما أني لا أعلم أحداً أنكره خارج الصلاة هذا هو الذي يعتمد عليه في أنه أمر معلوم عند السلف قد درج عليه أولهم وآخرهم، فمن قال: إنه منكر فعليه الدليل، وليس على من فعل ما فعله السلف، وإنما إقامة الدليل على من أنكره، وقال: إنه منكر، أو إنه بدعة، هذا ما درج عليه سلف الأمة وساروا عليه وتلقاه خلفهم عن سلفهم، وفيهم العلماء والأخيار والمحدثون، وجنس الدعاء في الصلاة معروف من النبي – عليه الصلاة والسلام- في صلاة الليل، فينبغي أن يكون هذا من جنس ذاك . -10 قوله عن هذا الفعل: «دعاء ختم القرآن .. بدعة بنكهة سلفية» عبارة لا تليق ونحن نفخر بكوننا في دولة سلفية، فالسلفية وسام على صدورنا نعتز به، وهذا هو الملك عبدالعزيز – رحمه الله- مؤسس هذا الكيان يفخر بكونه سلفياً يتبع منهج السلف الصالح رضوان الله عليهم، إذ يقول: (فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسُنَّة رسوله وما كان عليه السلف الصالح) ويقول: (ومن اتخذ الدين نبراساً له أعانه الله، ومن تركه خلف ظهره خذله الله. أسأل الله أن يرحمنا، ويرزقنا اتباع سلفنا الصالحين الذين أقاموا قسطاس العدل، فهم أسوتنا وهم قدوتنا -إن شاء الله-. إنني رجل سلفي، وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسُنَّة). فهذه البلاد قادة وعلماء يسيرون بحمد الله على منهج السلف الصالح قلباً وقالباً.