ما زالت الكتابة عن قصص الحُب والمحبين سواء استخرجت هذه القصص من مكنونات التاريخ أم كانت قصصاً معيشة في الحاضر، واقعية أو مضافاً إليها بعض الخيال، إلّا أنّها تظل نوعاً من الحكي المُربك إلى حدٍّ ما لأنّ حدودها المعنوية تبدأ ولا تنتهي. وتزداد هذه الحالة إرباكاً إذا كانت تلك القصص من الخيال فيزودها بسحره الخاص، لأنّ الفانتازيا تضفي على الشخوص ذلك السحر الآسر الذي يبرّر أي تجاوز أو مبالغة يمكن أن يأتي بها المؤلف ويجعلها مقبولة ومحببة في أحيان كثيرة. ويكتمل هذا النسج لو أتى إيقاع القصة الداخلي مبنياً بشكل درامي تتماسك سلسلة سرده ولا تنفك فيكون هناك تناغم في بناء القصة تغذيه المؤثرات الدرامية في تفعيل معاني الفرح والحزن والمأساة. إذن هناك تشابك آسر لا فكاك منه بين ما يؤمن به الكاتب وبين القصة المروية التي غالباً ما تكون بها بعض المبالغات، وكما الشعر دوماً فقصص الحُب أعذبها أكذبها. يدور حديث يتجدد في عالم الكتابة الأدبية عن كثير من المؤلفات بعضها أتى على شكل روايات تستحضر شخصيات تاريخية معروفة في تاريخ العشق، وبعضها لم يخرج عن الطابع السردي البحثي لقصص قديمة تترك لخيال القارئ العنان فيسافر إلى ذلك الزمان على دفتي صفحتي كتاب. من هذه الكتب: «مراتب الحب عند العرب وأشهر محبيهم» للكاتب الأردني مروان أبو صلاح . يشرح فيه المؤلف حالة الحب عند العرب قبل الإسلام وبعده ويقارن بينه وبين الحب هذه الأيام في انسجام كامل مع الرؤية الثقافية والعقائدية والاجتماعية المعاصرة. استعرض الكتاب تصنيف العرب للحب في قسمين، حيث يتكون القسم الأول من أربع مراتب هي: العلاقة، الصبابة، الوداد والشغف. أما القسم الثاني فيتكون أيضاً من أربع مراتب وهي: الغرام، العشق، الهيام والتتيم. وذهب الكاتب في أحد فصوله إلى استعراض قصص المحبين والعشاق العرب القديمة المحكومة ببيئتها وشخوصها مما جعلها تخرج في قالب أقرب إلى الأسطوري. أما الكتاب الآخر الذي نال قسطاً كبيراً من القراءة وإعادة التدوين على صفحات الإنترنت فهو:»سِفر العشاق» لعزت السعدني. ونالت نساء التاريخ العاشقات قدراً كبيراً من أقسام هذا الكتاب. فهناك جزء مخصص عن الجميلة الرومانية مريت آتون التي أحبت الضابط المصري أحمس وكتبت فيه قصيدة منذ أربعة آلاف عام بعنوان «سأكون في انتظارك … دائماً في انتظارك» .كما لم ينس الكتاب زليخة امرأة العزيز التي عشقت يوسف -عليه السلام-، وحكاية بلقيس ملكة سبأ مع سيدنا سليمان صاحب أعظم مملكة في التاريخ وبعض الروايات عنهما وتلخيص ذلك في أنّ ما حدث بين بلقيس وسليمان -عليه السلام- يتجاوز مرحلة الإعجاب العادي بما آتى الله الملكين من قدرات وسلطان. وأفرد الكاتب بالطبع قسماً كبيراً لعجائب الفراعنة في الحب فلم يترك قصة الملك رمسيس ونفرتاري، والملك أحمس وحتشبسوت، والملكة نفرتيتي وأخناتون ثم كليوباترا ومحبيها يوليوس قيصر ومارك أنطونيو، وغيرها من قصص الغرام في التاريخ. وبعد كل هذه الوفرة في أدب الرواية الرومانسية، المطبوعة فقط فيما مضى والمنشورة إلكترونياً على صفحات الإنترنت الآن ومن كل لون ولغة. وبعد أن جعل النشر الإلكتروني كل آداب الدنيا ومعارفها وعلومها في متناول اليد، وجعل هذه الكتب تسعى إلينا بدلاً من أن نضرب فجاج المكتبات في سبيل الظفر بها. بعد كل هذا ظهرت خبيرة علم النفس البريطانية سوزان كويليام لتحذر النساء من قراءة الروايات الغرامية، وفي بحثها أنّ قصص الحب تعطي النساء صورة مثالية وغير واقعية عن العلاقات الغرامية. وأضافت كذلك أنّ كثيرا من المشكلات النفسية تتأثر بشكل ما بقصص الخيال الرومانسي. ولكن الدكتورة بولا بيرن زميلة كلية هاريس مانشستر بجامعة أوكسفورد جاء بحثها المنشور مؤخراً يتحدث عن تأثير الرواية الرومانسية على نفسية الجنود المقاتلين في جبهات القتال، وخصت روايات الروائية الإنجليزية الشهيرة جين أوستن التي اعتبرت من أكبر المهدئات تأثيراً على الحياة المضطربة للجنود البريطانيين الذين كانوا يقاتلون في الحربين العظميين. فقد تقرر تداول رواياتها آنذاك في المشافي الصحية الإنجليزية لعلاج الصدمات الشديدة والاكتئاب والاضطرابات النفسية التي عانى منها الجنود. وتم تخصيص أبرز روايات جين أوستن بالأخص رواية «العقل والعاطفة« الصادرة عام 1811 و«كبرياء وتحامل«عام 1813. يحقق هذا النوع من الأدب متعة عالية للقارئ ابتداء من السباحة في العوالم الرومانسية والتحليق في عالم المثاليات. ولكن ولأنّ لكل شيء إذا ما تم نقصان، فإنّ النقص الذي يعتري هذا الضرب من الأدب يتمثل في أنّ سحره لا يدوم طويلاً، فما أن تنتهي من قراءة الرواية ومع الوصول إلى الغلاف الأخير حتى يسقط الشخص سقطة مدوية ويعود إلى مثواه الواقعي، لتبقى شخوص الرواية وطقوسها ورائحة كل شيء فيها، وتنضم إلى تلال ذكريات القارئ وذخيرته المكنوزة. من الروايات ما يميل للعوالم المثالية والهروب من الواقع، وفي بعضها تتجلى ارستقراطية الحب من الغلاف إلى الغلاف، ويتجسد شعور المرأة بالصدمة والانكسار . وأخرى تقدّم المرأة في قالب تظهر معه وهي أكثر ثقة بنفسها وأكثر قرباً إلى الواقع، توزّع فيها الرومانسية على نبض الحياة في الأحياء الشعبية. وإن كانت أغلب الروايات الرومانسية ببطولة مطلقة للنساء، فإنّ الكاتب المصري عزت السعدني عثر على نوع جديد يعضّد من هذا الولاء لعالم النساء . ابتدأها بتحقيق صحفي أعده قبل حوالي أربعين عاماً عن قرية في صعيد مصر تسكنها النساء فقط كتب في مقدمته :» تعالوا نرسو بزورقنا هذه المرة على شاطئ بلا رجال، قرية كل أهلها وناسها وسكانها من جنس الحريم فقط. خرج منها الرجال إلى غير رجعة، وضاع منها الموّال والأفراح والليالي الملاح». وفي ولائه لهذا النوع من الأدب كتب مؤخراً «سِفر العشّاق»، حصر فيه أشهر العاشقات في التاريخ من الفرعونية مريت آتون ثم إيزادورا، نفرتيتي، زُليخة، الملكة بلقيس، وكليوباترا. وما بين روايات إحسان عبد القدوس ونجيب محفوظ التي اعتنت بالوصف النفسي والتحليل العميق للعواطف وما بين عزت السعدني في أسلوبه الذي يعرض به قضية التلاشي البطيء للحب البائس، تظل القصص الرومانسية بروحها الفعّالة النشطة ومعالجاتها الجذابة تمزج بين الواقعية والخيال، والقارئ الذكي هو من يختار.