بينما يتصاعد الاتجاه نحو الثقافة الرقمية والوسائط الإلكترونية الحديثة، لاتزال المؤسسات الثقافية المحلية مؤمنة بالنشاط المنبري، حيث الصورة النمطية للنشاط الثقافي وما تتضمنه هذه الصورة من طاولة قصيّة للمحاضر أمام مئات الكراسي، يخلو معظمها من الحضور. وربما لا يكون النشاط المنبري فكرة فاشلة، أو من العبث استمرارها، لكنَّ جمودها وبقاءها على الصورة نفسها أبرز أصوات مطالبين بمراجعتها وتنفيذها بصورة جديدة تتلاءم مع مستجدات العصر الثقافية. رغبات الجيل يقول رئيس نادي جدة الأدبي الدكتور عبدالله السلمي: «لا بدَّ أن يدرك الجميع أن برامج النادي ليست مناشط منبرية فقط، يحضرها جمهور متلقٍّ، ويتحدث محاضر، وينفضُّ السامر، ثم إن النشاط المنبري لم يعد جاذباً كما كان، والأندية الأدبية تجاوزت مرحلة المنابر القولية، إلى مرحلة التأسيس لعمل ثقافي متكامل وجاذب ومستجيب لرغبات الجيل في ظل استحضار المعطيات العصرية اللحظية». ويضيف: «لدينا إحصاءات جمعناها خلال سبع سنوات ماضية، ومن أكثر من نادٍ أدبي، حول التفاعل الحضوري مع المناشط المنبرية، وكانت بكل أسف غير مشجعة وتسير في عد تنازلي»، مبيناً أنه ليس «بصدد توضيح الأسباب الآن». ويتابع السلمي حديثه: «على كل حال، نحن في نادي جدة أبقينا على النشاط المنبري وفق معايير معينة ولم يتوقف، بل أقمنا محاضرات للغذامي والبازعي والعدواني والفيفي واليافي وباديب وباعشن، وغيرهم كثير، وأمسيات لروضة الحاج واعتدال ذكرالله..، وفي ذات الوقت أوجدنا بدائل جاذبة يضطلع بها النادي حالياً»، لافتاً إلى أن لدى نادي جدة مراحل وأنواعاً من العمل والبرامج والجماعات والمنتديات والمسابقات والصالونات والإيوانات والحلق النقدية والدورات التدريبية والبرامج الإذاعية والدوريات والمطبوعات. برامج حافلة وعندما يتعلق الأمر بمؤسس منتدى «الإثنينية» الثقافي في جدة عبدالمقصود خوجة، فإنه لا يبدي قلقاً كبيراً إزاء هذا الموضوع، مشيراً إلى كثافة الحضور الذي شهده منتداه الثقافي خلال الموسم الجاري، على الرغم من توقف نشاط «الإثنينية» المنبري لمدة قاربت الشهرين في منتصف الموسم. ورغم ذلك، يَعِد خوجة مرتادي «الإثنينية» بنشاط ثقافي نوعي «غير مسبوق» في الموسم المقبل، مؤكداً في هذا السياق، أن جهاز عمل «الإثنينية» يعمل منذ الآن على تصميم برنامج «حافل ومشوق»، ويأخذ في الاعتبار مستجدات الساحة الثقافية على كافة المستويات. نشاطات نخبوية من جهته، أبدى راعي «أسبوعية القحطاني الثقافية» الدكتور عبدالمحسن القحطاني، سعادته بالحضور الذي شهدته أمسيات «الأسبوعية» خلال الموسم الحالي، لكنه أقر بأن النشاطات المنبرية للمؤسسات الثقافية تعاني من ندرة الحضور الجماهيري لعدة أسباب، من أبرزها أن النشاطات الثقافية بطبيعتها نشاطات نخبوية، ولا يمكن مقارنتها بالنشاطات الرياضية على سبيل المثال.