جاء خطاب الرئيس المصري محمد مرسي الذي ألقاه أول من أمس السبت وسط آلاف المحتشدين في استاد القاهرة، لينهي مرحلة من التذبذب والضبابية التي سيطرت على موقف إدارة مرسي من الثورة السورية؛ إذ أعلن الرئيس في خطابه قطع العلاقات الديبلوماسية بالكامل مع دمشق، وهاجم حزب الله اللبناني مطالباً إياه بسحب مقاتليه من سوريا على الفور. وأنهى الخطاب مرحلة رمادية في الموقف المصري من الثورة، فالرئيس مرسي الذي استهل فترة حكمه بمواقف حازمة مما يحدث في سوريا، وقطعية في مناوئتها لنظام بشار حينما وصف نظام الأسد بأنه نظام استبدادي، وقال إن إسقاطه واجب أخلاقي، وذلك خلال حضوره فعاليات قمة عدم الانحياز التي احتضنتها طهران من 30 إلى 31 أغسطس عام 2012م، وهي التصريحات التي رفعت سقف توقعات مناصري الثورة السورية، وعدُّوها مقدمة لمواقف أكثر حزما من جانب الحكومة المصرية فيما يتعلق ببشار ونظامه، لكن مرسي خيب آمالهم، فقد شهد العام الأول من حكمه تقاربا واضحا وجليا مع إيران؛ إذ استقبل الرئيس الإيراني الأسبق نجاد في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامية، ورفض قرارا بمنع السفن الإيرانية من عبور قناة السويس، كما أصر على إدراج إيران ضمن المجموعة الرباعية لحل الأزمة السورية، باعتبارها جزءاً من الحل، إضافة إلى التزامه مواقف منسجمة مع الموقف الروسي المنحاز لنظام الأسد، وأكد عقب زيارة جمعته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 19 إبريل الماضي أنه يقدر كل التقدير الموقف الروسي من الثورة السورية الذي لا يختلف بشكل جوهري عن موقف مصر. د. خالد الدخيل وأرجع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الملك سعود الدكتور خالد الدخيل هذا التخبط في موقف النظام المصري إلى ما تعيشه مصر من أزمة سياسية واقتصادية طاحنة، إضافة إلى انعدام الخبرة السياسية لدى الإخوان الذين أثبتوا أن أداءهم السياسي في الحكم أسوأ مما كان متوقعا، حتى أنهم يقفون ضد أنفسهم أحيانا. أما لماذا تغير الموقف المصري فإن الدخيل يشير إلى أن موقف الرئيس المصري الأخير له علاقة بما حدث في «القصير» وتدخل حزب الله هناك، وخطابات حسن نصر الله الاستفزازية المتزامنة مع التدخل. ويتابع كذلك هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية منها مؤتمر علماء المسلمين الأخير في القاهرة، الذي أجمعت فيه التيارات الإسلامية كلها على الوقوف ضد النظام السوري، وحزب الله، والإخوان لا يستطيعون البقاء بمعزل عن هذه التيارات، أيضا هناك الموقف الأمريكي الذي تغير نوعا ما باتجاه تسليح الثوار، وأخيرا يأخذ الرئيس مرسي في حسبانه المظاهرات التي تنوي المعارضة المصرية تنظيمها آخر هذا الشهر ضده، وهو يريد استباق هذه المظاهرات بقرارات تخوله كسب الجمهور إلى صفه، لافتا إلى أن موقف إدارة مرسي من الثورة السورية مر بثلاث مراحل، مُعادٍ في البداية، ثم برود في الموقف، وأخيرا قطع العلاقات تماما. د. سعد الشهراني من جهة أخرى أثنى علماء وشرعيون على قرار قطع العلاقات الديبلوماسية مع نظام الأسد، وقال رئيس اتحاد علماء المسلمين التابع لرابطة العالم الإسلامي الدكتور سعد الشهراني ل «الشرق» إن لمصر تاريخها وثقلها السياسي الكبير في قضايا الأمة الإسلامية، منذ استعادها صلاح الدين الأيوبي من الفاطميين ليؤمن طريقه لفتح بيت المقدس، والموقف المصري الذي أبان عنه الرئيس مرسي في خطابه الأخير مهم للغاية في ظل هذه الأزمة التي يعاني منها إخواننا السوريون وتعتبر نكبة بكل المقاييس التي عرفتها البشرية في عصرها الحاضر، لافتا إلى أن قطع العلاقات تعتبر خطوة إيجابية نحو الضغط على الطغاة في سوريا، وتبقى أهمية إيجاد موقف إسلامي وعربي موحد من الأزمة السورية؛ لأنه مع الأسف حتى هذه اللحظة لا يوجد موقف عربي واضح مما يحدث في سوريا، ولو وجد هذا الموقف لانحلت الأزمة سريعا. وشدد الشهراني على ضرورة الانخراط بعد الموقف المصري الأخير في بناء رأي موحد حول الأزمة، وترك الأمور الخلافية جانبا. من جانبه قال مستشار وزير الشؤون الإسلامية مدير عام التوعية العلمية والفكرية الدكتور ماجد المرسال إن الموقف المصري الأخير يكشف عن تقارب مصري سعودي في النظر إلى الأزمة السورية، وطريقة التعاطي معها، وهذا التقارب يصب في مصلحة الأمة العربية، والإسلامية، والمحور السني في المنطقة، كما أنه ضروري جدا في هذه المرحلة التي تشهد متغيرات عديدة تقتضي التنسيق في المواقف بين القيادات العربية، وبين المكونات المجتمعية في دول المنطقة.