لأنها واقعية، فقد ألهمتني مقولة مؤسس شركة بلوم للطاقة Bloom Energy ورئيسها التنفيذي، الأمريكي -الهندي الأصل- ك. ر. سريدار، «عندما تفتقر إلى الموارد، تصبح واسع الحيلة!». هذا صحيح تماماً. وهذا يذكرني بقصة تقول إن مدير مصنع اكتشف عيباً في عملية تصنيع منتجاته، أو فلنقل إن بعض العُلب التي يتم تغليفها آلياً تكون فارغة بالخطأ عند الشحن. فسعى مدير المصنع لإيجاد حل لذلك. وقد قدَّم أحد موظفي المصنع حلاً مُعقداً، بإيجاد جهاز يقوم بالكشف عن محتوى العلبة أثناء مرورها بالسير قبل الشحن. وذلك الجهاز بطبيعة الحال يكلف مبالغ طائلة. ولكن موظف آخر في المصنع التمعت في عقله فكرة، التي إضافة إلى أنها غاية في البساطة فهي عديمة التكلفة، قال: لمَ كل ذلك؟ وقام بوضع مروحة قوية أمام السير فتطايرت العلب الفارغة وبقيت الممتلئة. هكذا ببساطة. بعض الظروف والمآزق تحرِّض العقل على إبداع وابتكار الحلول بسرعات قياسية. نعم، الظروف القاهرة غالباً ما تصنع المعجزات الكبرى. وأزعم أن كثيراً من المنجزات العالمية التاريخية الكبرى أيضاً جاءت وليدة الظروف الصعبة التي تحتم تغييرها. وسواء كان ذلك بتخطيط مسبق أم كان بنت الضرورة والحتمية، فإن وجودنا في ظرف التحدي والضرورة والحتمية يُعطينا المسؤولية الكبرى للتفكير، وإيجاد الحلول المنطقية، حول التحديات. سواء تحدياتنا وظروفنا الشخصية، أم تحديات وظروفاً معاصرة تتعلق بمسؤولياتنا أمام أعمالنا، التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالشأن العام. وذلك أيضاً يذكرني بما قاله رجل الأعمال الثري بيل جيتس -مؤسس مايكروسوفت- في مقابلة سابقة له، حيث ذكر أنه حين يحتاج أن يُنجز أمراً ما بسرعة وبساطة، فإنه عادة ما يعتمد على أولئك الذين يخترعون حلولاً بعيدة عن التعقيد، ذكية، وفي متناول اليد. يحدث أن يلجأ إليَّ بعض المراهقين من أقربائي في بعض القضايا الصغيرة، لكنني بدلاً من محاولة حلها بنفسي أقوم بحثِّهم على التفكير في الحلول بأنفسهم، ومن ثم الاستشارة. ربما علينا أن نحرِّض من حولنا على رسم خريطة حلول للقضايا الصعبة باستخدام ورقة وقلم. تماماً مثل لعبة المتاهات التي نتسلَّى بالخروج منها في الصغر على ورق الجرائد، نحن مضطرون الآن أن نتسلَّى بها في معترك الحياة الصعب. إن التمرُّن على إيجاد الحلول ليس بالأمر الهيّن، وليس بالأمر الصعب أيضاً. تمرين العقل بالتفكير يمدِّد مساحته. وكل تفكير يمدِّد العقل إلى مساحة أكبر، لا يعود به إلى حاله الأول. الاتكالية في الحلول تجمِّد وظيفة العقل. وفي كل الأحوال علينا كثيراً أن نشكر الظروف الصعبة، التي تقدم لنا حوافز جمَّة لا تقدمها الظروف المريحة. يمر كثيرون منا بظروف سيئة، قد تبدو في أعيننا أنها تحطمنا وتفتِّتنا كشظايا زجاج. لكننا ننسى ونحن نفغر أفواهنا أمامها بدهشة المصعوقين أن ننتفض ونتحرك من مربع التحديات إلى مربع الحلول. نجتهد لزراعة الحلول زرعاً، وإن جهِدنا في بدايات الأمر. ذلك أجدى من الهرب من المشكلات. لطالما كنت آمُل أن تُترك مساحة حرة للتفكير في المدارس، لينطلق الصغار منذ المراحل الأولى في التعليم بتنمية أفكارهم الإبداعية وعقولهم منذ عمر مبكر. لربما باستطاعتنا تبنِّي ذلك بصيغة مناسبة لمجتمعاتنا. أو على الأقل فلنبدأ من البيت، من إمكاناتنا الصغيرة، بما يساعد على الإبداع في الحياة العامة ومواجهة التحديات. هذا ما تصنعه الدول المتقدمة في عملية التربية والتعليم. اطلعتُ مؤخراً على تقرير على الBBC»» حول حرص فرنسا على منهج الفلسفة في المرحلة الثانوية للطلبة؛ الفلسفة التي تعتمد على التفكير. وذلك لتدريب الطلبة على الأسئلة. وهذا هو غرض فرنسا الأول من تدريس الفلسفة منذ عهد نابليون، الذي سنَّ هذا المنهج. العقل، تلك المساحة غير المكتشفة تماماً من جسدنا، هو من اكتشف كل أدوات هذا العالم الحديث المذهل، الذي نعيش رفاهيته المترفة الآن. في قصة أسطورية بسيطة، قرأتها مرة، أن أحد حكام الصين وضع صخرة كبيرة على طريق رئيس فأغلقه، وكلف حارساً يراقبها من خلف شجرة، ليخبره بردة فعل الناس. مرَّ تاجر كبير، نظر إلى الصخرة باشمئزاز، دار حولها وتذمَّر: سوف أشكو هذا الأمر، سوف نعاقب من وضعها. ثم مرَّ آخر أقل شأناً من التاجر، وتذمَّر هو الآخر وإن كان دون شكوى. ثم مرَّ ثلاثة أصدقاء شبان تأمَّلوا الصخرة وسخروا من وضع بلادهم، ووصفوا من وضعها بالأحمق وانصرفوا. مرَّ يومان، حتى جاء مزارع بسيط، ودون جَلبة شمَّر عن ساعديه وحاول دفعها طالباً المساعدة من المارَّة الذين تشجَّعوا لمساعدته، فدفعوا الصخرة وأبعدوها عن الطريق. ووجد المزارع أسفلها صندوقاً من الذهب، حُفر له تحت الأرض، ووُضعت عليه رسالة كُتب فيها: «من الحاكم إلى مَن يُزيل هذه الصخرة، هذه مكافأة للإنسان الإيجابي المبادر لحل المشكلة بدلاً من الشكوى منها». الصخرة هي التحديات، والصندوق هو مكافأتنا، هو انتصاراتنا الكبرى.