في أمريكا معاهد خاصة لما يعرف «معامل التفكير THINK – TANKS» مهمتها التفكير في المستقبل واحتمالاته، والتخطيط تجاهه، على خلاف مشكلات العالم الثالث، التي تنتبه للمشكلات أثناء الاصطدام بها، في شهادة واضحة للفرق بين الأعمى والبصير، فالبصير يرى الجدار فلا يصدمه، والأعمى لا يرى شيئاً فينطح الجدار! بعض مشاريع المستقبل يتصورها البعض أنها من سرد أفلام الخيال العلمي، ولكن جون فيرني الفرنسي، وليوناردو دافنشي الإيطالي، وعباس بن فرناس العربي، تخيلوا الغواصة والدبابة والطيارة وضحك عليهم معاصروهم، كما فعل كثير مع المصلحين أو الأنبياء ممن رأوا المستقبل. الذي ثبت أن الواقع كان أكبر من الخيال، وأن ما تحقق فاق أبعد التصورات: مدن كاملة تحت الأرض، وأخرى عائمة فوق المحيط، وناطحات ما فوق السحاب تصل إلى ارتفاع الكيلومترات تضم بيوتاً تَسَع مئات الآلاف من البشر فيما يشبه المدن الجديدة، وعمليات جراحية كونية لترقيع ثقب الأوزون، برقع وخيطان من حقول كهرطيسية، وجبال شاهقة من الجليد تساق من القطب المتجمد الجنوبي إلى ممالك صحراوية عطشى تنقل بحيرات كاملة ماءً سائغاً للشاربين، وتسقي جنات على مد البصر تنبت فاكهة طلعها هضيم. وشفط عناصر مهمة في الطاقة من سطح القمر من نوع الهليوم الثلاثي بروبوتات ذكية. وفرش سطوح تنقل الطاقة عبر عشرات الآلاف من الكيلومترات من الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية، لاستقطاب الطاقة وبثها على شكل موجات قصيرة إلى الأرض، وإرسال مركبات فضائية إلى سطح المريخ، تحمل طاقماً بشرياً وروبوتات تبني مفاعلات نووية تبث طاقة كهربية من مستوى 4500 ميجاوات، ومصانع كيماوية عملاقة، تنفث في جو المريخ غازات صناعية على مدار الساعة، ما يعادل 40 ضعف تلويث مناخ الكرة الأرضية السنوي، في محاولة إعادة الدفء إلى كوكب المريخ المتجمد من صقيع مريع، وإحداث غلاف حامي لجَوه، واستنبات الحياة على ظهره، في أضخم جراحة كونية يقفز إليها الخيال البشري.