الحمية الغذائية توقف السمنة وتمنع أمراضاً عدة، لكن ماذا عن حمية من نوع آخر؟!، حمية لإفراط آخر غير الإفراط في الأكل والشرب، وله تأثيرات سلبية وإن كانت لا تقارن بالتأثيرات البيولوجية لإفراط الأكل إلا أن تأثيراتها السيكولوجية ربما أشد وطأ، إنه الإفراط في التعبير عن المشاعر. مشاعرنا الشديدة التدفق هي نتاج ثقافة التضخيم والتفخيم المتوارثة؛ التي جعلت الإفراط في التقدير هو القاعدة والخلو منه شذوذا عن هذه القاعدة. فالمرء قد يتهم بالحقد أو عدم اللباقة إن لم يسبق اسم من يخاطبه بعبارات تحكي عظمته وأهميته ودوره الجوهري في نهضة الأمة إن كان معروفا أو ما دون ذلك من الصفات إن لم يكن معروفا. خطاباتنا الرسمية لم تنج أيضا فدائما ما نحشوها بعبارات التبجيل والتوقير حتى تصبح هذه العبارات نصف موضوع الخطابات، حتى في وسائل التواصل الاجتماعي لم يحل ضيق المساحة دون إشباعها بجمل التفخيم. ممن فطنوا لهذه المعضلة الكاتب الراحل أنيس منصور فحينما أراد إصدار الطبعة الثانية من كتابه (حول العالم في مائتي يوم) عمد إلى كلمة تكررت كثيرا فحذفها، كانت الكلمة هي (جداً)، وذكر أنه فعل ذلك لكي يصبح الكتاب أكثر وقاراً، فقد أسرف في استخدام هذه الكلمة حينذاك لشدة دهشته وفرحته عندما رأى هذه الدنيا لأول مرة حسب تعبيره. جرّب واحذف قشور كلامك وزخرفه لتوفّر الوقت والجهد لجوهره.