المرأة كائنٌ مستضعفٌ مستصغر… هذا هو الإطار الذي تتحرّكُ عبره المرأة لدى كثير من العقليات، موضع ريبةٍ وشكٍّ دائم، عورة كاملة، عورة بأتمّ معنى الكلمة ودلالاتها. تُساق عن المرأة كثيرٌ من القصص والمرويَّات والحكايات الشعبية التي تصوِّرها في هيئة كائن جسدي جنسي محض، مفرغ من العقل والعقلانية، بعيدٌ تمام البعد عن الوعي، والرشد، والأهلية لاتخاذ القرار أو لقيادة أي شأن من شؤون المجتمع؛ فأقصى ما يمكن لها أن تصلح له هو بيتها وتربية أسرتها، يعضّد العقل المستصغر للمرأة رؤيته تلك بعدد من المرويات والشواهد، «وقرن في بيوتكن» و»الأم مدرسة إذا أعددتها* أعددت شعباً طيب الأعراق» و»لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»… وغيرها كثير! في تجاهلٍ تام لدور المرأة التاريخي والاجتماعي في تراثنا العربي والإسلامي؛ بل وفي التراث العالمي بأسره. العجيب في الأمر، أنه مع تطور العالم، وتغيُّر كثير من المفاهيم، لاتزال تعشعش لدى عددٍ كبير من أفراد مجتمعنا تلك النظرة الدونية للمرأة، وتتزايد قسوتها ويزداد ضيقها، وتتعدد تطبيقاتها وممارساتها الحياتية، في المنازل والمدارس والأسواق وأماكن العمل، ومواقع الترفيه والأماكن العامة. حتى يبدو لنا أن كل شيءٍ قابل للتطور إلا مكان المرأة ومكانتها وأهليتها والإيمان باستقلالها وتميزها شخصيّاً وعقليّاً وعمليّاً وإنسانيّاً. في الجنادرية، نشرت وسائل الإعلام خبراً غاية في الإساءة للمرأة السعودية، يتمثلُ في طرد أفراد من الوفد الإماراتي خوفاً على نساء الجنادرية من الافتتان بهم!! ويحتج كثير منهم لهذا القرار الفحولي بما صنعه عمر بن الخطاب مع الشاب الذي نفاه من المدينة! وشتان بين عمر وهؤلاء! في نظري أن المرأة السعودية لم تتلقَّ إهانة كما تلقتها في هذا الإجراء الذي قام به أناسٌ غير مسؤولين ولا مؤهلين لأن يكونوا في مواقعهم التي هم فيها. هذه النظرة الجنسية والشهوانية للمرأة أفرغتها من كل مؤهلاتها الفكرية والعقلية ومن تميزها العملي، وتأهيلها العلمي، وسلخت عنها قدرتها على قيادة المجتمع؛ بل على قيادة نفسها وبنات جنسها، وما يزيد الأمر شناعة هو أن المرأة نفسها قد ارتضت هذه النظرة، حتى باتت مسكونة بالصغار والتبعية للرجل، ترى نفسها عورة حقيقية، لا تتحرك إلا خلف رجل، ولا تقضي شؤونها إلا به، ساعد في ذلك انتشار النظرة ذاتها لدى السيد الرجل المسيطر على كل تفاصيل الحياة في مجتمعنا الذكوري الفظ! ماذا يمكن لنا أن نقول عن تلك الأكاديمية التي قالت ذات مرة بأنه لا ينبغي للمرأة أن تمشي إلى جوار ابنتها الصغيرة حتى لا يستدل الرجال الغرباء على شكلها -أي شكل المرأة- من خلال تشبيه الصغيرة بالكبيرة!! ألهذا الحدّ بلغت بنا النظرة الجسدية إلى المرأة؟ ألهذا الحدّ بلغت بنا النظرة الشهوانية للمرأة، وممن؟ إنها من المرأة إلى ذاتها، وإلى بنات جنسها. هذه النتيجة التي وصل إليها بعض النساء في مجتمعنا هي أقسى وأشد قهراً وشناعة من نظرة الرجل إلى المرأة. إذا لم تكن المرأة مؤمنة بذاتها، وتحترم وتثمّن وتقدّر كينونتها إنسانيّاً وفكريّاً فكيف للمجتمع أن يحترمها إذا لم تكن جديرة بكونها أنثى، سيدة المجتمع التي تربيه وتشكله وتؤسسه، المرأة الإنسانة التي تسهم كما يسهم الرجل في تنمية المجتمع والوطن؟! هوان المرأة على نفسها يضاعف المأساة، وينذر بأن المرأة في بلادنا لن تتجاوز أزمتها في المستقبل القريب؛ فحين تثار قضايا المرأة ومطالباتها ببعض حقوقها في الإعلام أو في المنتديات العامة، نجد أن أول من يعترض على ذلك هم بعض النساء، ويعبِّرن عن رضاهن التام عن وضعهن، وعن تعامل المجتمع الذكوري معهن، في بلادة وهوان شنيع، لم نكن يوماً نتخيَّل أننا سنصل إليه، هنا والحالة هذه، لا نستغربُ أن تطلق المرأة على نفسها وبكامل الرضا وصف (حُرمة)!!