يهدر معظم موظفي الدولة في المملكة ما يقارب سبع ساعات ونصف أسبوعيا من ساعات العمل بسبب توصيل الطلاب للمدارس ظهرا، الأمر الذي ينعكس على الأداء الوظيفي وعلى تعطيل مصالح المراجعين، وهو لا يتم تعويضه من قبل الجهة الحكومية. وتعود مراجعو الإدارات الحكومية في المملكة على عدم وجود معظم الموظفين على طاولات مكاتبهم بعد الساعة الثانية عشرة ظهرا مما يخلق أجواء من التسيب الوظيفي ومن مستوى الأداء.»الشرق» ناقشت القضية وتداعياتها على الأداء الحكومي وآليات الحلول، والتقت عددا من علماء الدين، وأصحاب الشأن، والمختصين الذين تناولوا القضية من زواياها المختلفة، في ثنايا الأسطر التالية. عقاب وثواب يقول الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور محمد النجيمي «إن الأولوية للعمل فلا يصح أن يتأثر العمل بسبب توصيل الطلاب للمدارس ظهرا، ولكن من باب التعاون بين أفراد المجتمع يجوز ذلك، شريطة أن يراعى عامل الوقت في كافة الأحوال وعلى الإدارات أن تضع ذلك كجانب تحفيزي للموظفين الأكفاء، فإذا كان جهد الموظف جيداً وأنجز كافة الأعمال المناطة به على الوجه الأكمل، وأدى واجباته الوظيفية فلا ضير، ولكن يجب أن يراعى عامل الوقت وكذلك عامل الإنجاز وأن لا يتخذها البعض ذريعة للخروج، إضافة إلى أنه من حق المدير أوالرئيس الذي يتبع له الموظف منعه أو السماح له وفق ما تستدعيه مصلحة العمل، والواجب شرعا أن يؤدي الموظف عمله على أكمل وجه وبطريقة تؤهله لأن يتسلم أجرته، فكل موظف يتسلم أجرة على عمله، ولا بد أن توازي الأجرة ما يقوم به، فإذا أهمل أو تقاعس الموظف في عمله بدون مبرر شرعي أو عذر أو سماح، فإنه سيحاسب على هذه الأجرة» وأضاف النجيمي «يجب على الموظفين أن يبحثوا عن بدائل في هذه المسألة حتى ولو بالاشتراك مع الجيران في الحي حتى لا تكون المسألة والأعذار بشكل يومي وأن لا تتأثر مصلحة العمل في أي قطاع .» ذريعة للخروج و أكد مدير عام الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بمنطقة عسير الدكتور محمد القحطاني أن الأمر يرتبط بمعيار أداء الموظفين وعلى كل موظف أن ينجز عمله لأنه سيحاسب عليه في الدنيا والآخرة وعلى كل مدير إدارة أو رئيس مباشر في العمل أن يتابع أداء الموظف متابعة دقيقة فإذا كان لديه مسوغات وأعذار شرعية تصل إلى «الاضطرار» فلا ضير، شريطة أن يتابع أداء الموظف بشكل يومي. وحذر القحطاني من أن تتحول المسألة إلى ظاهرة في بعض الإدارات، مشيراً إلى أن البعض يتخذها ذريعة وعذرا للخروج اليومي، لافتاً إلى أهمية أن يكون الاستئذان في وقت محدد ومعروف، وأضاف «على الموظف أن يقدر من خلاله ظروف ومصلحة العمل وأن يقابل السماح بروح الإخلاص في الرجوع لعمله متى ما انتهت مهمة التوصيل للمدارس، وعلى أي إدارة أن تحاسب الموظف الذي يتقاعس في عمله أو الذي لا يوفق ما بين مصلحة توصيل الأبناء للمدارس وما بين المهام والواجبات الملقاة على عاتقه في عمله فهي أمانة سيسأل عنها.» إهمال العمل و أوضح الموظف علي العسيري أن أقسام بعض الإدارات تعاني من خروج الموظفين، مبيناً أن المراجعين يقدمون للإدارة الملحوظات بأن فلانا وفلانا خرجا لإيصال أبنائهما للمدارس ولا يعودان إلا في وقت متأخر، الأمر الذي يعرض زملاءهم في المصلحة إلى متاعب وأداء عمل إضافي من شأنه أن يرهق الموظف، وأكد أنه لو كان الأمر يؤخذ بالتراضي والتنسيق بين الموظف وزميله فلا ضير في ذلك. وقال موظف آخر» فضل عدم ذكر اسمه « إن المشكلة تكمن في أن بعض الإدارات بات فيها الخروج لتوصيل المدارس عادة حتى إن البعض ولو وجد حلا في مسألة توصيل أبنائه، لكنه يجد في هذا العذر اليومي ذريعة للخروج ولإهمال العمل وللذهاب إلى منزله ومحاولة الهروب من أعباء العمل ورميه على زميل آخر.» وأضاف «هنالك إدارات تسمح بمجرد استئذان الموظف لأن يوصل أبناءه من المدارس حتى إن بعض الموظفين يخرج قبل موعد خروج أبنائه بوقت كبير وقد لا يعود في نهاية الدوام وقد يتصل بعمله إذا كان هناك من يسأل عنه أو يراقب دوامه اليومي. مضيفا أن الأعذار قد لا تجد قبولا وقد تكون واقعية، فالتقدير متروك لمدير الإدارة بحسب طريقته في التعامل مع موظفيه ومع أعذارهم . « مشكلة حقيقية وأكد مدير عام هيئة الرقابة والتحقيق بعسير عبد الله الهنيدي أن أمر إهدار وقت العمل الحكومي بسبب «توصيل طلاب للمدارس»يعد مشكلة حقيقية وقد تمت مناقشتها في أكثر من اجتماع للهيئة في عدة مدن وذكر الهنيدي أن معهد الإدارة العامة سابقا اقترح وجود سيارة وسائق ولكن تباعد المدن والاتجاهات وأعداد الطلاب، ساهموا في عدم جدوى الفكرة والبعض اقترح حينها أن تقود المرأه السيارة وهذا الأمر كان ولا يزال ممنوعا، وآخرون رأوا أن يوفر كل موظف حكومي سائقا خاصا وبعد دراسة الفكرة تم الوصول إلى عدم جدواها في ظل عدم كفاية رواتب بعض الموظفين. وأضاف الهنيدي أن الخروج اليومي لتوصيل الأبناء يعد عائقا أمام الإنجاز ويسيء للصورة المهنية لموظفي الدولة، وأشار إلى حلول بديلة لهذه المسألة، في كل إدارة بل وفي كل قسم من الإدارة، وأشار إلى أنه يجب على كل إدارة أن تضع آلية عمل يومية منظمة، بحيث ألا يؤثر خروج الموظف لإيصال أبنائه إلى المدارس على سير العمل وتعطيل مصالح المراجعين مضيفا أن جولات هيئة الرقابة والتحقيق تطلع على دفتر الحضور والانصراف ومن ثم يتابع كل موظف في قسمه وبعد ذلك يرفع تقرير إلى الجهة المعنية عن الدوام والانضباط والتسيب وتتخذ بشأنها الإجراءات اللازمة من حيث الحسم وخلافها مبيناً أن مدير الإدارة أو الرئيس المباشر للموظف مخول بالسماح له من عدمه ومشيراً إلى ضرورة تسجيل الاستئذان في تقرير الرقابة والتحقيق. إنجاز الموظف وعن الحلول أكد الهنيدي أن الحل يمكن في إنجاز الموظف وقال «للأسف هناك موظفون يلتزمون بدوام كامل ولا يتغيبون ولا يتأخرون ولكن وقتهم يذهب في قراءة الصحف وفي إهدار الوقت وعدم الإنجاز فلا بد أن يأخذ كل مدير إدارة أو رئيس قسم أو مسؤول إنجاز الموظف وهناك العديد من الإدارات تعتمد على الإنتاجية فإذا كان إنتاج الموظف مميزا فلا ضير أن يخرج للضرورة في إيصال أبنائه على أن يأخذ عذرا دائما وأضاف أنه يجب أن يكون مدير الإدارة قدوة لغيره فبعض مدراء الإدارات لا يداومون إلا في التاسعة أوالعاشرة ومن الطبيعي أن ينهج الموظفون نهجهم بل وقد يواجهونهم بتأخيرهم وعن نظام البصمة أكد أن بعض الإدارات التزمت به وأخرى فشل فيها وبعضها يلجأ إلى الساعة الالكترونية وهي ما شهدت تجاوزات وأخطاء نظير اعتماد بعض الموظفين على زملائهم فهي بالتالي غير مجدية والأهم أن يعرف كل موظف أن العمل أمانة وإنجاز.» صلاحيات المسؤول وأكد مصدر مسؤول في هيئة الرقابة والتحقيق (فضل عدم ذكر اسمه) أن هناك جولات دائمة لمقار الموظفين الحكوميين في كل قطاعات الدولة، مبيناً أن هناك تقارير تصدر عن كل موظف وعن مدى التزامه بالعمل من عدمه ويتم رفعها إلى مدير الإدارة أو مسؤول القسم وبعدها يتم النظر في عدم وجود الموظف على مكتبه إما أن يكون مستأذنا أو خارجاً بدون إذن وبعدها تتخذ الإدارة الإجراء المناسب مؤكداً على أن الأمر يعود إلى الإدارة ذاتها أما الهيئة فتقوم بواجبها الرقابي في رصد الانضباط والتسيب في كل إدارة والمطالبة بتطبيق النظام في ذلك وفق ما يقتضيه. الناحية النظامية وعلق رئيس لجنة الإدارة والموارد البشرية بمجلس الشورى الدكتور عبدا لرحمن هيجان قائلاً « إن الموضوع يتعلق بالناحية النظامية فلا يجوز نظاميا وهو ملزم بالدوام من الساعة السابعة والنصف حتى الثانية والنصف ولا يوجد عذر يحول بينه وبين الالتزام بالدوام، فلو كان الموظف الحكومي كثير الأعذار في إيصال أبنائه إلى المدارس وخلافها موظفا في قطاع خاص لتم فصله .»وأكد الهيجان أن ما يعرف بالاستئذان عملية نظامية وليست مطلقة وقال «هناك نواح اجتماعية يجب النظر إليها فإذا لم يجد ولي أمر الطالب وسيلة لإيصال أبنائه أو لم تكن لديه طريقة ووسيلة لاستقدام سائق في ظل عدم وجود نقليات مدرسية متاحة في كل المدرسة ويستدعي ذلك أن يقوم الموظف بهذه العملية فيجب أن يخضع الاستئذان لضوابط معينة من حيث مواءمته مع عمل الموظف . المنظومة الأخلاقية وأضاف هيجان »أن هناك عاملا مهما جدا يتعلق بالجانب الشخصي وهو المنظومة الأخلاقية التي تردع الشخص فهناك من يتذرع بهذه الأعذار ويجدها فرصة للتلاعب في ظل السماح اليومي له وعدم مساءلته عن فارق التوقيت أو خروجه بدون استئذان بعد أن أصبح معروفا في إدارته بإيصال أبنائه للمدارس وهذا يعطي فرصة لطغيان الجانب الشخصي الضعيف على حساب مصلحة العمل فنجد بعض من يقع تحت طائلة هذه الأعذار شخصا غير ملتزم واعتاد الفوضى الوظيفية والأعذار المتكررة فنجد إنجازه ضعيفا فبعضهم يأتي صباحا لتناول الإفطار وبعدها يقرأ الصحف وما أن يحين موعد أذان الظهر حتى يخرج من مقر عمله قبل موعد خروج أبنائه وبعضهم قد يشكل الأمر عليه عادة فتجده يستضيف أصدقاءه في المكتب ويؤخر المعاملات وبالتالي فإن جانب الأخلاق مهم جدا فعلى الموظف أن يعي أنه محاسب على عمله فهو أمانة . تقاعس وتسيب وأشار الهيجان إلى أن الجانب الشخصي يحتل ما نسبته من 60-70 % من أسباب تقاعس وتسيب موظفي الدولة فالشخص الصادق يلتزم بدواعي الاستئذان ويحاول وبكل ما يملك أن يكون صادقا مع نفسه فلا يخرج من عمله إلا للضرورة وإن وصل أبناءه عليه أن يعود بعدها إلى عمله مباشرة ولا يجب أن يستغلها البعض ليتحول إلى «موظف متسيب» وبالتالي يقاس الشخص في إدارته بمدى إنتاجه ويوصف بعض الموظفين بغير الملتزمين نتيجة تورطهم في أعذار واقعية أو خلافها اواستئذان يجر خلفه مسيرة من التسيب وعدم الالتزام مستقبلا بسبب ضعف في الجانب الشخصي لدى الموظف والحل يكمن في تقوية هذا الجانب وأن يكون الشخص صادقا وأن تكون أعذاره واقعية وأن تتناسب مع عمله وما عليه من مسؤوليات وأن يكون جادا في البحث عن بدائل تعينه على ذلك. التسيب الوظيفي