كغيرها من الصحف تحتوي صحيفةُ الشرق على أخبارٍ سياسيَّة وتحقيقاتٍ صحفيَّة ومقالاتٍ واستطلاعاتٍ ومحليَّاتٍ وموضوعات ثقافيَّة وأدبيَّة وفنيَّة ورياضيَّة وغيرها ممَّا لا أعلم تصنيفه صحفيّاً أو فات عليَّ ذكره، وحيث تتوجَّه الصحفُ لكلِّ القرَّاء المختلفين عمراً وتأهيلاً وثقافةً واهتماماتٍ ومهارات وقدرات وغيرها، فإنَّها ستراعي بمقالاتها شرائحهم بحسب اختلافاتهم تلك، فصحيفة الشرق مثلاً تختلف مقالاتها موضوعاتٍ ومساحاتٍ وأساليبَ كتابيَّة وأفكاراً وصياغاتٍ لغويَّة؛ وذلك لتحقيق تطلُّعات القرَّاء ورغباتهم باعتبار ذلك سياسةً صحفيَّة تنتهجها هادفةً أن تقدِّم لشرائح قرَّائها المناسب من مقالاتها عمقاً وطولاً وفكراً تحليليّاً ووعياً ثقافيّاً واجتماعيّاً؛ ولذلك استكتبت عشراتِ الكتَّاب المختلفين تخصُّصاتٍ ومهاراتٍ وقدراتٍ واهتماماتٍ لتحقيق رسالتها الصحفيَّة التوعويَّة والفكريَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة، ومن ثمَّ فالاختلافات في شرائح القرَّاء وفي مجموعة الكتَّاب تبعها اختلافاتٌ بمساحات مقالاتها فتفاوتت فيما بين 50 – 800 كلمة. وإذْ أجزم بأنَّه لا يوجد مَنْ يقرأ الصحيفةَ كاملةً خبراً خبراً ومقالةً مقالة وصفحةً صفحة وتحليلاً تحليلاً، وإنَّما سينتقي القارئُ ممَّا تقدِّمه له صحيفته ما يناسبه فكراً وثقافةً ووعياً واهتماماً تاركاً ما لا يناسبه، سيقرأ فيها ما يناسبه ممَّا يتناول موضوعات وأفكاراً ذات علاقة بتخصُّصه كقارئ أو ذات اتِّصال بمستوى ثقافته ووعيه؛ وحينئذٍ سيشارك كتَّابها معلِّقاً في موقع الصحيفة بإضافة أفكار أو تصحيح حقائق أو نقدٍ لها من خلال محاورتهم، وهنا ومن ذلك ستنشأ علاقات فكريَّة تفاعليَّة بينهم يثري كلٌّ منهما الآخر بطروحاته فينعكس ذلك تأثيراً إيجابيّاً على القرَّاء الآخرين وعلى الصحيفة. وحين خصَّصتْ صحيفة الشرق صفحتي الرأي لكتَّابٍ فهي تؤمِّل في كلٍّ منهم بأن يطرح في مقالاته آراءه فيما تتناوله موضوعاتُه وأن يناقشها في ضوء آراء غيره مستقرئاً ومحلِّلاً ومستنتجاً ليبلور رؤىً يقدِّمها لقرَّائه الذين قد يصنَّفون من النخبة ومن يليهم، فيما كتَّاب الصحيفة الآخرون سيكتبون المناسب لأسماء صفحاتهم وعناوين زواياهم، فلكلٍّ طرحٌ ومساحة كتابيَّة موجَّهة لشرائح من القرَّاء، وما أدوار رئيس التحرير ونوَّابه ومساعديه ومحرِّري صفحات الصحيفة إلاَّ النظر في مقالات كتَّابها من حيث مناسبتها لصفحاتهم خاصَّة وللصحيفة عامَّة في ضوء سياساتها وتوجُّهاتها الصحفيَّة والفكريَّة ومناسبتها لشرائح القرَّاء المستهدفين، وأجزم أنَّ أولئك على قدر مسؤوليَّاتهم المناطة بهم التي جعلتْ صحيفة الشرق في عام واحد تستقطب من القراء والكتَّاب ما جعلها من صحف الصف الأول.وحيثُ تعدُّ تعليقات القرَّاء جزءاً من الكتابة الصحفيَّة المؤطَّرة بضوابط مهنيَّة، والموجَّهة بالتزامات ثقافيَّة وفكريَّة، والمحكومة بأهداف عامَّة وثوابت وطنيَّة، والمتحرِّكة مجتمعيّاً وثقافيَّاً بتطلُّعات المجتمع وطموحات الوطن؛ فإنَّه كما أنَّه على الكتَّاب كتابة مقالاتهم في ضوء ذلك، فإنَّ على المعلِّقين أن يكونوا كذلك، ولكن مع الأسف تكشف معظم تعليقات القرَّاء خروجاً أدبيّاً عن هذا المسار، وتعكس لغةً وأساليب كتابيَّة بعيدة عن هذا المدار، تحرِّك بعضها مواقف شخصيَّة من كتَّاب متولِّدةً من ردودهم غير المجاملة، أو تدفعها تبادل المجاملات مع كتَّابٍ ارتضوها ناشدين السلامة، أو تعكسها رغبات في الظهور ليس إلاَّ وإن جاءت على حساب القيم والمبادئ الاجتماعيَّة والصحفيَّة، بل إنَّ هناك معلِّقين مخدوعين بقدراتهم ومهارتهم وثقافتهم لدرجة دفعتهم للتطاول على كتَّاب محسوبين من الصفِّ الأول فكراً وثقافة وقدرات أسلوبيَّة وكتابيَّة، ممَّن تصنِّفهم الصحيفةُ من طلائع كتَّابها طرحاً وتمكُّناً، في ضوء ذلك فإنَّ قرَّاءً لمقالات صحيفة الشرق كما تبيَّنتهم خلال عام من تعليقاتهم التي يتجاوزون فيها كثيراً ويدَّعون ما لا تعكسه تعليقاتهم، ومهما يكن لا أرى حجبَ تعليقاتهم إلا من تبيَّنتْ الصحيفةُ استهدافهم لكتَّابها استهدافاً شخصيّاً، وأنَّ تعليقاتهم لا تتصل بموضوعات مقالاتهم وأفكارها، وخاصَّة المعلِّقين بأكثر من اسم مستعار أو المشكِّلين شللاً استفزازيَّة للإساءة، فحريَّة التعبير ليست طريقاً لهذه التجاوزات والإساءات التي سأشير لشيء منها. * يرى بعضهم أن يكتب الكتَّاب مقالاتهم لتكون بمستواهم منتقدين عمقها وتخصُّصها منادين الكتَّاب بالكتابة بمستويات ثقافتهم وفهمهم، معلِّلين بأنَّ الصحيفة ليست مجلَّةً علميَّة، وأقول لأولئك دعوا مثل هذه المقالات لمريديها الذين لا يرضون بهبوط مستواها عمقاً ولغةَ كتابة. * ويطالب آخرون كتَّاباً بألا يكتبوا في غير تخصُّصاتهم الأكاديميَّة، فكأنَّهم يريدونهم باحثين لا كتَّاباً، فالكاتب يفترض أنَّ له عدَّة اهتمامات معرفيَّة وثقافيَّة داعمةً لتخصُّصه، فهو إن درس في تخصُّصه الجامعي 40 كتاباً بسنواته الأربع، فقد قرأ في اهتماماته الأخرى مئات الكتب، فليدع أولئك مقالاتهم إن لم يجدوا فيها ما يناسبهم، فحين كتبتُ عن الخدمات كتبتُ من منظور تنموي وهو تخصُّصي الأكاديمي، وحين كتبتُ عن الأدب والثقافة كتبتُ من خلال موهبتي كشاعر لا تخفى على القرَّاء، وكتبتُ في جوانب أخرى ذات اتِّصال بالثقافة العامَّة وبالمجتمع وبالنفس البشريَّة كاهتمامات قرأتُ فيها من الكتب ما يفوق عدداً ما قرأه الجامعيُّ المتخصِّص فيها. * ويتهكَّمُ آخرون بطول مقالات صفحتي الرأي وبكتَّابها ويطالبونهم بالاختصار، فيما مقالاتهم تتطلَّب تمهيداً لموضوعاتها، وعرضاً لآراء الآخرين، واستقراءً وتحليلاً واستنتاجاً يبلور بعدها الكاتبُ رؤيته، ليصل لنتيجة يتبنَّاها رأياً، وهذا منهج علميٌّ يوصل لإقناع الآخرين بالرأي، ولذلك تطلَّبت مقالاتهم مساحاتٍ أكبر من المقالات الطارحة نقداً خدماتياً واجتماعيّاً، فعلى معتادي تغريدات تويتر تجاوز مقالات الرأي لما يناسبهم مساحة وفهماً وليتركوها لمريديها. * وحين يفوق الكاتب المعلِّقَ تأهيلاً وثقافةً ووعياً بحراك مجتمعهما الاجتماعي والثقافي، ويكون أرقى منه أسلوباً وأسلم لغة وصياغة، فعلى القارئ الاستفادة من طرحه فإن لم يجد مفيداً لأسباب تعود إليه، فعليه ألاَّ يطالبه بالنزول لمستواه، وألاَّ يتطاول عليه بتعليقاته التماساً للشهرةَ بالإساءة إليه، وهذا ما جعلني أقتنع أخيراً بأنَّ عدم التفاعل مع المعلِّقين ردوداً من كتَّاب إنَّما يعود لذلك، فحيثُ أُهملتْ تعليقاتهم فليراجعوا توجُّهاتهم، بل وتيقَّنتُ أيضاً بأنَّ المجاملات والتنكيت لا تقدِّم فكراً ولا تنشر وعياً وإنَّما هي مضيعة للوقت وللجهد من الطرفين.