اتهامات متبادلة بين وزارتي التعليم العالي ووزارة التربية والتعليم، آخرها الذي نشرته صحيفة «الشرق» قبل أيام قلائل على صفحتها الأولى، تقول وزارة التربية: إن البرامج الأكاديمية لدى التعليم العالي متدنية مما انعكس على ضعف مخرجاتها بدلالة ضآلة نسبة مجتازي اختبار الكفايات؛ إذ لم تتجاوز نسبة 50%، خصوصاً طلاب الأقسام العلمية الذين راوحت نسبتهم عند 30% فقط وهي نسبة متدنية جداً، وتعطي دلالة واضحة على وجود مشكلة قائمة، ووصل بسخرية وزارة التربية أن دعت الجامعات الحكومية إلى إعادة تأهيل خريجيها مرة ثانية، ليتمكنوا من اجتياز اختبار الكفايات عندها يكونون مؤهلين وجديرين بالعملية التدريسية، وتدخَّل مجلس الشورى في هذه القضية الشائكة ممثلاً في رأي رئيس لجنة الشؤون التعليمية والبحث العلمي في مجلس الشورى، الأمير الدكتور خالد بن عبدالله آل سعود، معززاً رأي وزارة التربية بأن المعلم مازال تقليدياً في نقل المعلومة للطلاب نظراً لنقص تأهيله وتدريبه، وعزا ذلك إلى إهمال الدورات التدريبية «التطبيق العملي» وتركيزها فقط على الإطار النظري. بينما وزارة التعليم العالي هي الأخرى تتهم وزارة التربية والتعليم بضعف مستوى خريجي طلاب المرحلة الثانوية مما جعلها توصد أبوابها -أي الجامعات- أمام كثيرين من خريجي الثانويات نظراً لضعف قدراتهم ومستوى تحصيلهم العلمي بحسب رأي وزارة التعليم العالي، وقالت في وقت مضى : إن التربية تحتضن الطالب تعليماً وتربية وتثقيفاً لمدة اثني عشر عاماً في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، في حين تقتصر دراسته الجامعية على أربع سنوات، أي بمعدل الثلث فقط. وهذا السجال بين الوزارتين المجيدتين لم يتوقف أواره، بل تزداد ذروته عند الانتهاء من اختبار المركز الوطني للقياس والتقويم، وكأنه جاء ليكشف عورات وسوءات مخرجات التعليم. دون المشاركة في وضع حلول مناسبة. ولما كانت المشكلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار في كون بعض المعلمين هزيلي المستوى بحسب رأي الوزارة الأم «التربية» وأن ما يزيد عن نصف المتقدمين من خريجي الجامعات أخفقوا في الاختبار، مما يُدلل على فشل ذريع، وضعف بائن لتلك البرامج التي يتلقاها الطالب في الجامعة، فإن القضية تشبه إلى حد كبير الدجاجة والبيضة، أيهما سبق الآخر، وكل وزارة ترمي الكرة باحتراف في مرمى الأخرى تنصلاً من المسؤولية الملقاة على عاتقهما، والمتمثلة في الارتقاء بالتعليم وتحسين مخرجاته، على اعتبار أنه أسُّ تطور وارتقاء حضارة أية أمة من أمم الأرض، فإن ضعُف التعليم انعكست مُخرجاته سلباً على الجوانب الحياتية، والعكس صحيح، متى تم تجويده ازداد وهج الأمل في إمكانية وضع أقدامنا على الطريق الصحيح نحو التطور والتقدم والتغلب على حيثيات التخلف. ليصبح لنا كعب عالٍ في المشهد العالمي. أزعم أن الوقت قد حان لوضع آلية مناسبة بتنسيق بين الوزارتين المبجلتين لحل المشكلة وفك معضلاتها وطلاسمها إن كان هناك طلاسم! بتشكيل فريق متخصص لردم الهوة ووضع حلول، وصولاً إلى إجراءات عملية. أو أن سيل الانتقادات والاتهامات بين الطرفين سوف يستمر، وتلك لعمري قضية أخرى؛ لأن النقاش لا يجدي حيث يلامس الفروع، بينما جذر المشكلة لم تلتفت إليه أيٌّ من الوزارتين. ومن الحقائق التي يُعاني منها التعليم ولم يتمكن الانفكاك منه؛ تركيزه على الحفظ والتلقين وحشو أذهان الطلاب بالمعلومات دون الاهتمام بالجوانب المهارية والإبداعية، خصوصاً فيما يتعلق بتنمية مهارات التفكير وإيقاظ المستويات العليا منه، مما يجعلنا نستقبل كل عام أفواجاً من المستويات الضعيفة شئنا أم أبينا، ولما كانت المشكلة تمس جوهر التعليم، ولأن الوزارتين ومن فترة طويلة لم تجدا حلاً مناسباً، بل اكتفتا فقط بتراشق الاتهامات، أقترح تأسيس جهة ثالثة -إدارة أو مصلحة أو هيئة- تحت أي مسمى، للقيام بكل المسؤوليات المتعلقة بتطوير قدرات وكفايات المعلمين. ومضة: يُعتبر المعلم مهندساً للعقول البشرية وصانعاً للحضارة الإنسانية متى كان راغباً وقادراً على ذلك.