هل هان أمر الدين في نفوسنا؟ هذا سؤال من الصنف الذي لا يسهل علينا قبوله، فهو يُوقظ شعورَنا بالذنب، ولعله يذكِّرُنا بما نفضِّلُ نسيانَه، أو التغافل عنه، أو تذكره في حين دون آخر، ومما يزهِّدُنا في هذا السؤال أو مَن يعرضه علينا أسرنا ببعض الأفكار الواهية حول الحرية الشخصية المزعومة ووهم الكمال الزائف، وقديماً نظر بعض علماء السلوك في الأمور التي تُنقص من أثر الموعظة في نفس السامع، ومن أجمل ما ذكروا أنَّ مما يحرم من الانتفاع بالموعظة والنصيحة انشغالُ متلقِّي الوعظ بالبحث عن عيب الواعظ ونقصه، فاستخلصوا من هذا حكمة بليغة تستحق – كما قال الحكماء الأقدمون – أن تكتب بماء الذهب: إنَّ العمى عن عيب الواعظ شرطٌ لازمٌ للانتفاع بالموعظة. أحبائي، إنَّ هذه موعظة من مُذنبٍ مُسرفٍ ومُقصِّرٍ آلَمَه حالُه، وأقلقَهُ، وأحزنَهُ، فصاح متألماً، ونادى يا نفسي! ويامعشر المقصرين: أما آن لنا أن نفيق؟ أَوَ هان أمر ديننا علينا؟ أليس الإسلامُ الدينَ الحقَّ عند الله وما عداه باطل؟ ألم يحذرْنَا ربُّنا بأن مَن يبتغِ غيرَ الإسلام ديناً فلن يُقبَل منه، وأن مآله الخسارة في الآخرة؟ أنسينا السبب والغاية التي من أجلها خُلقنا؟ ألم نقرأ كلامَ ربِّنا واضحاً صريحاً: (وَمَا خَلَقْتُ الإِنْسَ وَالجِنَّ إِلا لِيَعْبُدُونِ)؟ أم لعلنا لم نفهمْ أو نثمِّن قدر إنعام الله علينا بإرسال الرسل وإنزال الكُتُب؟ ومالنا لا نتذكر – حقَّ الذكرى – أمر الله لنا بالعمل وأنَّ أعمالنا – بلا شك ولا ريب – معروضةٌ عليه وعلى رسوله وعلى المؤمنين، وأنَّ مردَّنَا إليه فينبئُنا بحقيقة أعمالنا إخلاصاً له أو إشراكاً لغيره! ألم يحذرْنا اللطيفُ الخبيرُ من الاغترار بالدنيا؟ ألم يبصِّرْنا بزيف الدنيا الفانية ونقصها ونغصها وكَدَرِها وكَبَدِها، ويدلنا على الحياة الحقيقية وجمالها ونعيمها الخالد الباقي: (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)؟ ويا نفسي! فيمَ هذا العجب بآرائنا كأننا لا نعرف خطر العجب وإله الهوى (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ)؟ ألم نسمع الحبيبَ الصادقَ الأمينَ يبلِّغ عن رب العالمين بلاغَ حقٍّ مؤكداً بقسم حقٍّ مُغلَّظَة (والله لا يؤمنُ أحدُكم، حتى يكونَ هواهُ تَبَعاً لِمَا جِئتُ بِه)؟ إنك، يا أخى العزيز، لأعلمُ وأكرمُ من أن أبسط لك الأدلة والبراهين على هوان أمر الدين في نفوسنا، فاسمح لي – رعاك الله – بعرض أسئلة عملية مختارة، ومعروضة تحت عناوين رئيسة، فخير الكلام ما قلَّ ودلَّ، واللبيب تُغنيه الإشارة، وأسأله سبحانه أن نجدَ في ثنايا الإجابة نجماً هادياً، وعلاماتٍ مرشداتٍ تهدينا في ظلمات الغفلة، وتبصِّرنا بحالنا، وتُوقظنا من غفلتنا قبل فوات المُهلة: إعادة النظر في فهمنا العام لدين الإسلام: س: ماذا يعني انتماؤنا لدين الإسلام؟ س: أين وكم نجد في حياتنا من الأدلة على تطبيقنا العملي لأركان الإسلام وأركان الإيمان؟ س: هل يستشفُّ الناظر في حياتنا – فكراً وقولاً وفعلاً ومعاملةً – أنَّنَا نوقِّرُ ونُجِلُّ الله والرسول وحدودَ الدين؟ س: هل نجيبُ قائلين: «سمعْنا وأطعْنا» إذا عُرض علينا قول الله ورسوله، أم لعلنا نتأوَّلُ ونُفلْسِفُ ونراوغُ ونكابرُ؟ حرصنا على تثقيل موازين حسناتنا يوم القيامة: س: كيف نحسُّ إذا فاتتنا تكبيرة الإحرام في الصلاة مع الجماعة، أو الركعة الأولى، أو الجماعة الأولى؟ س: متى نحضر لصلاة الجمعة مع علمنا بالأجر العظيم للمُبكِّرينَ في الساعة الأولى وما يليها؟ س: كم نقرأُ من القرآنِ كلَّ يوم أو كل أسبوع أو كل شهر؟ س: هل نخاف على حسناتنا من الآثام التي تنقصها مثل الغيبة والحسد والظلم والتعدي على حقوق الناس؟ س: هل نُطيلُ المُكْثَ في المساجد والرِّبَاط بانتظار الصلاة بعد الصلاة؟ س: هل نذكر الله كثيراً ونصلي على الرسول، صلى الله عليه وسلم، ونذكر جهادَه وفضلَه، ونحب آلَه وصحبَه؟ س: هل نُعينُ الدعاة إلى الإسلام لنشاركهم في أجورهم العظيمة التي هي خيرٌ من الدنيا وما فيها؟ جهدنا في البعد عن السيئات وتخفيفها: س: هل نعرف الفرق بين السيئات المتعلقة بحقوق الله والأخرى المتعلقة بحقوق العباد؟ س: أنعرف الكبائر ونهرب منها؟ س: هل نعرف صغائر الذنوب ولا نصر عليها أو نعتادها؟ س: كم مرةً نستغفر في اليوم؟ س: أو نقلق ونحزن عند ذكر ذنوبنا السابقة، أم أنَّ لدينا من الله ضماناً بغفرانها ومحوها من كُتُبِنا؟ س: متى كانت آخر مرة تُبنا فيها، أو جدَّدْنَا توبتَنا من بعض الذنوب؟ س: هل نحرص على تذكر وإحصاء تعدياتنا على حقوق العباد، والسعي في طلب الحل والعفو من أصحابها؟ س: هل نبتعد عن الاستخفاف بالدين وبالعلماء والمصلحين، وكل الكلام المُسخط لله الذي لا نُلْقِي له بالاً؟ س: ما حرصُنا على العبادة في السر كصدقة السر وقيام الليل ودعاء الأسحَار؟ تفعيل معاني انتمائنا للأمة الإسلامية: س: هل نعرف معنى الأمة الإسلامية القائمة على أساس الأخوة الإيمانية (إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)؟ س: أ نعرف واجباتنا تجاه الأمة الإسلامية من المحبة والولاء والتفضيل والعون والنصرة والنجدة والتعاطف؟ س: هل نعيش لأنفسنا وهمومنا الصغيرة أم نعيش لغايات الأمة الإسلامية الكبرى؟ س: ما هي القضايا الإسلامية التى نتبنَّاهَا ونُعينُها بمشاريعَ فعليَّةٍ محسوسةٍ وملموسة؟ س: هل نتحسَّسُ أحوال الأمة الإسلامية؟ أنحزن لهزيمة إخواننا وقتلهم؟ وهل ندعو ونعمل ونفرح بنصرهم؟ س: ما هو برنامجنا في توثيق صلات الأخوَّة بين المسلمين في مسجدنا وحيِّنا ومجتمعنا وبلدنا وأمتنا أجمع؟ س: أنحمل في قلوبنا غلاً أو ضغينةً للمسلمين حولنا، أو في البلدان الإسلامية الأخرى؟ وما دليلنا على سلامتها؟ س: هل نُنشِّئ أبناءنا على مفهوم الانتماء العملي للأمة الإسلامية وواجباتهم الشرعية تجاه المسلمين أينما كانوا؟