صدفة شاهدتُ فيلماً إسرائيلياً في لندن مطلع التسعينيات، وكنتُ حتى ذلك الوقت على قناعة بأن التمييز ضد المرأة، واعتبارها جسداً فقط، هو سمة من سمات الثقافة العربية، حتى أدركت ذلك الفيلم الذي يكشف معاناة المرأة في الثقافة اليهودية المتزمتة، التي ترى أن المرأة «نجاسة»، حتى لو كانت زوجة صالحة، كما عبر الفيلم عنها في العلاقة الزوجية بين رجل الدين اليهودي وزوجته؛ إذ كان لا يعاشرها إلا من خلال ملاءة (شرشف) يفصل بين جسديهما، فيما عدا فتحة تسمح بالاتصال الجنسي. لم تتوفر في مرحلة التسعينيات وسائل اتصال سهلة كما هي الآن، فبعد أن كان الكتاب أو السفر، المصدر الوحيد للمعرفة، أصبحنا على بعد نقرة زر في «الكيبورد» لنطلع على ما نريد. وهكذا يسهل علينا الآن معرفة ما يدور في العالم بسرعة كفيلة بتغيير أو خلخلة الكثير من القناعات، وفي الاتجاه نفسه يمكن لأي إنسان في أي مكان في العالم الاطلاع على ما يحدث لدينا بالسرعة نفسها. فهل نستغرب عندما تتناول صحف العالم أخبارنا عن تحريم قيادة المرأة للسيارة أو المحرم، أو ما يتبع من قضايا تتراكض في قائمة التمييز ضد المرأة. فقد تناولت الصحف العالمية باستغراب شديد قرار السماح للمرأة بالبيع في محلات تختص بالملابس النسائية، علينا أن نعتاد على أنه بمجرد صدور فتوى أو قرار أو وجهة نظر تنتقص من حقوق الإنسان، حتى تتناولها مختلف الوسائل الإعلامية في اللحظة نفسها، وهو أمر يجب أن يكون مفروغاً منه، واستبدال رد الفعل المدعي بالخصوصية أثناء تناوله إعلامياً بالتفكير في الأسباب والنتائج، وأن نغلّب المصلحة الاجتماعية دائماً. فعندما نقرأ التالي: وكشفت صحيفة (...) النقاب عن فتوى تلزم المرأة بلبس (النقاب)، وتغطية جسدها من أول رأسها إلى أخمص قدميها، بعباءة واسعة (لا تصف ولا تشف) لإخفاء كل أجزاء الجسد، كما منعت الفتوى أصحاب المحال من عرض ملابس نسائية قصيرة في واجهات المحال التجارية، وأوضحت أن هذه الفتوى تأتي (حفاظاً على كرامة المرأة ولجسدها وذاتها). أو عندما تقرأ «وبرّر إبراهيم يوسف فتواه قائلاً إن قيادة المرأة للسيارة في الشوارع والمدن لا تدل على الحشمة ولا العفة، خاصة في المدن التي تقطنها أغلبية متدينة». أو تقرأ «في سبتمبر 2011، صدرت فتوى أخرى ضد المرأة، جاءت تحت عنوان «صوت المرأة عورة»، وصيغت الفتوى في وثيقة من سبع صفحات، جاء فيها أن صوت المرأة عورة، محرمة استماع المجندين في الجيش لغناء المطربات، وبحسب الفتوى، فإن الحالة الوحيدة المسموح فيها بالاستماع لصوت المطربات، هو أن يحرص الشخص على شغل تفكيره بأي شيء؛ كي يشتت تركيزه، حتى لا يستمع إلى صوت غناء المرأة رغم وجوده في المكان». ما ذكر أعلاه من اقتباسات ليست من فتاوينا -ولله الحمد والمنة- بل هي من فتاوى الحاخامات اليهودية والمنشورة في الصحف الإسرائيلية لعام 2011. من أين لمجتعمنا مثل هذا التمييز ضد المرأة؟ هل هو نتاج إرث معرفي؟ أم لغياب القوانين الملزمة بحقوق الإنسان التي وقّعت عليها الدولة؟