بدأت فعاليات إدارة أوباما والمعارضة السورية تخطو أولى خطواتها الفعلية في معالجة الأزمة السورية على أرض الواقع، وكيفية الإطاحة بالرئيس بشار الأسد دون إيجاد أي فراغ سياسي يمكن أن يستغله الإرهابيون وأمراء الحرب وفلول النظام. وحذّر مسؤول أمريكي كبير من تداعيات خطورة استنساخ نسخة سورية على شاكلة نسخة «بريمر» إثر حرب العراق، مما قد يجر البلاد إلى دوامة الفوضى العارمة. وعواقب الفوضى الوخيمة -التي أعقبت قرار الولاياتالمتحدة في عام 2003م- حل الجيش العراقي وتدمير واقتلاع المؤسسات الحكومية من جذورها، وطمس هويتها. تقوم المعارضة وحلفاؤها الآن باتخاذ خطوات فاعلة نحو تعزيز الأمن وتأمين الحكم بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وتسعى جاهدة للقضاء على حالات التشرذم والانقسام التي اجتاحت البلاد خلال عامين من الحرب. والمحك الأول والرئيس في عملية التغيير يكمن في تكوين حكومة ائتلافية مؤقتة من جميع أطياف المعارضة السورية، التي حاول بالفعل بعض من أفراد القوى الثورية القيام بها وأعلنوا رغبتهم في مطالبة جامعة الدول العربية بمقعد سوريا فيها، ولكن أحمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري، تراجع في اللحظات الأخيرة وأعرب عن مخاوفه من احتمالية تفتيت المعارضة ونشر الفوضى داخل البلاد. وتسعى المعارضة جاهدة إلى المصالحة ولمِّ الشمل السوري. ويتم الآن توجيه دعوات إلى المنشقين عن الجيش بهدف تقديم يد العون والمساعدة، سعياً للتوصل إلى حل خيوط اللعبة الحالية. وترفع شعارات «لا للانتقام»، ويتم التأكيد على مبدأ «العفو»، وبخاصة عن أي جنود أو ضباط علويين «أجبروا على الانصياع والإذعان لأوامر القتل والضرب». حُررت بالفعل كثير من أراضي الشمال السوري، وحسب التقديرات فإن أكثر من 60% من إجمالي المناطق السورية تحت سيطرة المعارضة الآن. ولكن تحديات التشرذم والفرقة وتداول السلطة مازالت تواجه المعارضة السورية وحلفاءها، والهدف منصبٌّ الآن على ملء هذه المساحة المحررة بحكومة جديدة محكمة القبضة الأمنية، بدلاً من أمراء الحرب. وأخيراً تحركت الولاياتالمتحدة لمساعدة المعارضة السورية، فهي تحاول بناء سوريا جديدة في ثوب جديد في هذه المناطق المحررة، التي تشمل أجزاء من محافظات إدلب وحلب ودير الزور. وقام وزير الخارجية جون كيري بتقديم ستين مليون دولار لمشاريع تتعلق بالحكم المحلي، بما في ذلك تدريب الشرطة، وإدارة المجالس المحلية، وتنقية مياه الشرب وإصلاح البنية التحتية المدمرة والمتهالكة. وأبدت الولاياتالمتحدة مباركتها الضمنية الخاصة بتوجيه ضربات جوية للنظام السوري، فضلاً عن أنها الآن تدرس بحذر سبل توفير الأمن، تحسباً لوقوع أي هجمات جوية على المناطق المحررة. وعلى الرغم من هذه الجهود المبذولة تعزيزاً للاستقرار، فهناك حقيقة مؤسفة ومحزنة للغاية، وهي أن سوريا لاتزال على المحك وفق معطيات الظروف الراهنة، مما قد يدفع بعض البراجماتيين داخل المعارضة السورية إلى القول بأن سوريا تحتاج إلى حكومة انتقالية عسكرية، ومن ثم ينشأ التصادم بين المدنيين، الذي قد يستثمره بعض المتطرفين.