ليس هناك بلد في العالم ينفق أموالا على جمع المعلومات الاستخباراتية والتجسس أكثر من أمريكا. هذا الأمر صحيح منذ زمن طويل، ولكنه أصبح أكثر وضوحا منذ 2001، حيث تضخمت ميزانية الاستخبارات لتصل إلى أكثر من سبعين مليار دولار، وهناك مبالغ أكثر من ذلك بكثير مخفية ضمن ميزانيات وزارتي الدفاع والأمن. لكن الإنفاق الكبير وتخصيص ميزانيات هائلة لا يعني بالضرورة ضمان الحصول على معلومات جيدة. القادة العسكريون الأمريكيون الموجودون في أفغانستان وصفوا التقارير الغزيرة لوكالة الاستخبارات المركزية (CIA) عن ذلك البلد بأنها بلا فائدة. والآن يبدو أن شبكة التجسس التابعة للوكالة في لبنان، والموجهة ضد حزب الله، وتلك التي في إيران أيضا قد تم التعرف عليهما واختراقهما. العملاء المحليون للوكالة تم اعتقالهم، وهناك معلومات شبه مؤكدة بأن بعضهم تم إعدامه فيما أن الآخرين على وشك أن يتم التخلص منهم أيضا. من الواضح أن اكتشاف عملاء الاستخبارات الأمريكية في الصيف الماضي كان ناتجا عن ضعف شديد في الأمن العملياتي من قبل ضباط الوكالة الذين كانوا يديرون العمليات من لبنان، فيما أن الفشل الاستخباراتي الأمريكي في إيران ربما كان ناتجا عن تصور سيء واتصالات غير آمنة باستخدام مواقع إنترنت وهواتف نقالة كانت الاستخبارات الإيرانية قد تعرفت عليها ووضعتها تحت المراقبة. إن كون وسائل الاتصال غير آمنة وخطيرة على المستخدم يحتمل أنه كان ناتجا عن الكسل أو حتى عدم الكفاءة، وعلى الأغلب تم استخدام طرق مختصرة مما أدى إلى التساهل في قضية الإجراءات الأمنية. في لبنان، التقى ضباط الوكالة الأمريكيون مع عملائهم بشكل علني في أماكن مثل (بيتزا هوت بيروت) واستخدموه وكذلك استخدموا المطاعم الأخرى لعقد جميع اجتماعاتهم بالرغم من حقيقة أن بيروت ليست بيئة صديقة، وتدريبات الوكالة تؤكد أن استخدام نفس الموقع لعقد عدة اجتماعات يجعل من السهل جدا أن ينتبه الآخرون إلى الأمر وإلى التعرض للاعتقال. في الحقيقة، كان الاسم الرمزي العام للعملية الاستخباراتية «بيتزا»، وهو مزج واضح وأخرق بين العملاء والمكان الذي كانت الاجتماعات تتم فيه عادة، وهو انعكاس لمدى الكسل والإهمال الذي تمت إدارة العملية من خلالها. كان حزب الله قادرا على كشف والتعرف على جميع الضباط الأمريكيين وكذلك على اللبنانيين الذين يتصلون بهم. وقد تم اعتقال أكثر من عشرة لبنانيين من قبل أجهزة الأمن التابعة لحزب الله. الحكومة الإيرانية تدعي أنها قامت باعتقال ثلاثين شخصا لدى تفكيكها شبكة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلال الصيف الماضي، ومؤخرا، منذ أسابيع قليلة، قالت إيران إنها اعتقلت اثني عشر شخصا من عملاء الاستخبارات الأمريكية الذين كانوا يستهدفون دفاعاتها الصاروخية. من المؤكد أن عدم كفاءة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ليس أمرا غير عادي، حيث إن الوكالة تكافئ ضباطها الذين يبدون نشاطا قويا في تجنيد العملاء والحصول على معلومات استخباراتية. لكن الاندفاع الزائد كثيرا ما يؤدي إلى الإهمال وحتى إلى التصرف بشكل طائش. الرغبة القوية في الحصول على معلومات استخباراتية مهمة وحديثة بأي ثمن قادت بالتأكيد تقريبا إلى مقتل سبعة ضباط استخبارات من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الذين كانوا يعملون في منطقة خوست في أفغانستان في ديسمبر 2009 عندما تم السماح لعميل أردني مزدوج بالدخول إلى قاعدة آمنة تابعة للوكالة. يمكن أن يتذكر المرء أيضا نجاحا إيرانيا مهما ومميزا ضد الوكالة في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، عندما تم اكتشاف كامل الشبكة العاملة في ذلك البلد وإعدام جميع عناصرها فيما بعد. تم اعتقال وتعذيب وقتل تسعة عشر إيرانيا كانوا يتجسسون لصالح الولاياتالمتحدة، وتم ذلك لأن سكرتيرة كسولة تعمل لصالح الوكالة في فرانكفورت في ألمانيا بعثت رسائل تتضمن تعليمات إلى جميع العملاء الإيرانيين الموجودين على قائمتها في وقت واحد. عندما لاحظ الإيرانيون تسع عشرة رسالة بنفس خاتم البريد وكلها بنفس خط اليد؛ فهموا ما كان يجري، اعتقلوا العملاء، وبالتالي أعدموهم. خسارة جميع، أو تقريبا جميع، العملاء في عمليتين سريتين رئيسيتين ومهمتين تعتبر كارثة كبيرة في واشنطن. لماذا؟ أولا، لأن الخسارة كان يمكن تفاديها. الأخطاء ارتكبت بسبب الطريقة التي أدار بها الضباط الأمريكيون عملاءهم المحليين. أحد ضباط الاستخبارات الأمريكية علق على الموضوع قائلا إن التركيز على طائرات الاستطلاع بدون طيار واستهداف الإرهابيين يعني أننا «فقدنا تقليد التجسس والتخريب. الضباط يسلكون طرقا قصيرة ولا يتعرض أي منهم إلى المحاسبة». وهو يشير هنا، ومعه حق في ذلك، إلى أن الوكالة لم تعد جيدة في عمليات التجسس التقليدي. وما هو أهم من ذلك، أن من الضروري أن نتذكر أن العمليات الاستخباراتية يجب أن يتم إطلاقها عندما تكون الطريقة الوحيدة للحصول على معلومات حساسة وحاسمة للأمن القومي. ذلك هو الوضع بالنسبة لحزب الله وإيران. الأسئلة المهمة المحيطة بحزب الله والحكومة الإيرانية تتعلق بما ينوون فعله في ضوء التوتر المتصاعد في المنطقة. هل سيزيدون الأمر سوءا أم أنهم سيتراجعون عن المواجهة؟ دون وجود موارد استخباراتية على الأرض لا يمكن الإجابة على مثل هذه الأسئلة بشكل صحيح ودقيق. والبقاء بدون معلومات عما يدور على الأرض يجلب معه مخاطر جديدة. البعض في الكونجرس الأمريكي وفي إسرائيل قد يقولون إنه بما أننا لم يعد لدينا عملاء استخبارات على الأرض في إيران فإن القيادة هناك قد تكون تخطط لشيء سيء ولن نعرف نحن ذلك مطلقا، لذلك علينا أن نقصف إيران الآن. إن خسارة نافذة استخباراتية على ما يقوم به الخصم قد تقود بسهولة إلى حرب.