إدريس مغاري إن المتأمل لتاريخ البحث العلمي في المجال الرياضي سيقف على حقيقة مفادها أن البحث العلمي كان دائماً محكوماً بسقف إبستيمي (معرفي) محدد، السقف الإبستيمي الأول كان محدداً في الإطار التقني والبدني والتكتيكي، فكانت جل الأبحاث العلمية التي أُنتجت من نظريات ومفاهيم ومقاربات تمت تحت هذا الإطار المعرفي العام (الإطار التقني والبدني والتكتيكي)، ثم بعد ذلك ظهر سقف إبستيمي آخر تجلى في الإطار النفسي والذهني، فكانت الأبحاث العلمية كذلك محكومة بهذا السقف المعرفي، وأما الإطار المعرفي الحالي فتمثل في الإطار الأخلاقي، وهذا هو الرهان الآني للبحث العلمي في مجال الرياضة صنف البحث الفكري الرياضي، من هنا كانت مجموعة من الإشكاليات تفرض نفسها بقوة أمام الباحثين، ومنها: هل يمكن تلقين القيم الأخلاقية للرياضيين من خلال الأنشطة الرياضية؟ ما هي القيم الأخلاقية المراد تلقينها للرياضيين؟ على أي أساس مرجعي سيتم تحديد هذه المفاهيم الأخلاقية؟ كيف يمكن تلقين القيم الأخلاقية للرياضيين من خلال الأنشطة الرياضية الفردية والجماعية؟ كيف يمكن برمجة القيم الأخلاقية إلى جانب البرامج التقنية، البدنية، التكتيكية، والنفسية في الحصص التدريبية؟ كيف يمكن اختيار هذه القيم على أساس أن تتناسب مع الطبيعة النفسية والسلوكية للرياضيين (فئة البراعم، فئة الصغار، فئة الفتيان، فئة الشبان، وفئة الكبار) وعلى أن تكون منسجمة مع الاستحقاقات الرياضية المنتظرة؟ كل هذه الأسئلة وغيرها أصبحت تفرض نفسها بقوة أمام خبراء الفكر الرياضي ،إذ إن النشاط الرياضي أصبح وسيلة ضرورية لمعالجة الوضعية الأخلاقية والقيمية للرياضيين، وكذلك هو مصدر لإشباع حاجياتهم الأخلاقية. ولبيان ذلك فلابد أن نقف أولاً على حقيقة علم الأخلاق أو فلسفة القيم من حيث المفهوم، ومن حيث التطور الكرونولوجي، فعلم الأخلاق اهتم بدراسة السلوك الإنساني من حيث منابعه ودوافعه وغاياته، وبتحديد القيم والقواعد الأخلاقية التي يجب مراعاتها في السلوك، كما يدرس وسائل الإلزام والالتزام بالسلوك الخير، فالفكر الإنساني انشغل منذ الأزمنة الأولى بموضوع القيم والأخلاق، وكانت بداية هذا الاهتمام مع الفكر الإغريقي، فمنذ الفلسفة اليونانية وإلى حدود اليوم مرَ الفكر الفلسفي الأخلاقي عبر ثلاث محطات متتالية، وهي: الأخلاق المعيارية، ما وراء الأخلاق ثم الأخلاق التطبيقية، فمرحلة الأخلاق المعيارية كان مدار النقاش فيها حول المعايير التي من خلالها يمكن أن نميز بين الخُلق الحسن والخُلق السيئ، بين الفضيلة والرذيلة، بين الجميل والقبيح، ومن رواد هذه المدرسة المعيارية نجد أرسطو وإيمانويل كانط. فمن تحديد معايير السلوك والفعل إلى تحديد المفاهيم والمصطلحات الأخلاقية انطلاقاً من البنية اللسانية للمصطلح الأخلاقي، وهذا ما يُعرف عند الفلسفة الوضعية بما وراء الأخلاق، فالوضعيون اهتموا بدراسة المصطلح الأخلاقي في علاقته بالواقع مبتعدين بذلك عن كل دراسة ميتافيزيقية للأخلاق، فقبل الحديث عن الواجب أو الخير يجب أن نحدد أولاً مفهوم ودلالة الواجب أو الخير، فالفلسفة الأخلاقية مع الوضعيين ترتكز أساساً على دراسة المفاهيم الأخلاقية، ومن أبرز رواد الفلسفة الوضعية نجد آير الذي نص على أن موضوع الفلسفة الأخلاقية يجب أن يرتبط أولاً وأخيراً بتحديد المفاهيم الأخلاقية، وكذلك جورج مور الذي عدّ أن أول ما يجب أن تنطلق منه الفلسفة الأخلاقية الجديدة ( ما وراء الأخلاق) هي البداية من تحديد مفهوم الخير، وبعد الإجابة عن هذا الإشكال الأخلاقي يمكن آنذاك للفلاسفة أن ينطلقوا للإشكال التالي: وهو تحديد السلوكات التي تندرج داخل دائرة الخير، فمرحلة ما وراء الأخلاق تمت معها نقلة نوعية للفلسفة الأخلاقية. وأخيراً محطة الأخلاقيات التطبيقية، فنتيجة للمشكلات التي خلّفها هذا التطور المهول في الصناعة والتكنولوجيا ظهرت تيارات أخلاقية تنادي بضرورة وضع ضوابط أخلاقية لكل المهن والتخصصات، فظهرت سنة 1971 م البيوإثيقا مع بوتر رينسلار. إنّ النهضة الرياضية أصبحت مشروطة بمدى حضور القيم والأخلاق في التخطيط الرياضي، وإذا كان يجب تحقيق حكامة جيدة يستلزم استحضار جوانب تقنية متعددة، فإن الجانب الأخلاقي هو الركن الأساسي فيها، والورقة الرابحة التي يجب المراهنة عليها، لأن القيم الأخلاقية هي معيار قياس الرقي الحضاري لدى الأمم، كما جاء على لسان أمير الشعراء أحمد شوقي: «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا».