لا زلت أتذكر كلمة أحد الأصدقاء، وهو بالمناسبة شخص وديع ومسالم ليس له في العير ولا في النفير كما يقولون، حينما تم القبض على حمزة كشغري، قال هذا الصديق “أبشركم صادوه” فتهللت وجوه الأصدقاء حينما أخبرهم أنه يقصد من اتفقوا على تسميته ب “الملحد” حمزة كشغري. لم أكن قادراً على فهم الكمية المروعة من الدموية التي كان يباركها المجتمع، حين طالبوا برأسه وكأنهم سيحظون برأس أبي لهب. لم أستطع أن أفهم أيضاً لماذا كان العديد منهم أشخاص مسالمون طيبون في باقي شؤون حياتهم، وليسوا متطرفين كما قد يتبادر للذهن، لماذا امتلئت أدمغتهم بالكراهية والغضب تجاه شخص بسيط، شاب يافع كان يناجي نبيه في يوم مولده، ومن الحب ما قتل. فكرة أن يخطيء أحدهم التعبير فيتحول مئات الآلاف من البشر لقتلة ومحرضين على قتله، بدلاً من محاولة فهم “لماذا قال ذلك؟” هي فكرة مرعبة بحد ذاتها، وتحتاج للتحليل الدقيق لفهم النزعة الدموية والتكفيرية التي تغلغلت في مجتمع بسيط كان ينتظر كل شهر “سهرة أم كلثوم” لينتشي طرباً مع أغنياتها وهي تقول “الله محبة، الخير محبة، النور محبة”، ويجتمعون في بيت أحدهم ليشاهدوا سميرة توفيق تصدح طرباً وغنجاً، ولا يمنعهم ذلك الجمال من أن يتحولوا بعد ذلك للصلاة بخشوع لا يزايد عليه متطرف. كان أحد أسباب هذا التحول تلاقح حصل بين فكر شيوخ متشددين يخبرونك بأنك ستدخل جهنم لأنك استمعت لأغنية تتحدث عن الحب، وبين جهلة متحمسين يعتقدون أن الحور العين ينتظرونهم على عتبات القبر إن قتلوا كل من يختلف عنهم في التفكير. خليط مثل ذلك هو ما حول بقية المجتمع لأشخاص ينتظرون زلة أحدهم كي يقطعوا بها تذكرة دخولهم إلى الجنة. كيف أن وصولك لرضا الله لا يتعلق بما تفعله، بل بما يفعله الآخرون. حمزة، بالإضافة لذلك، رماه حظه السيء بين تيارين يختلفان في كل شيء، لكنهما يتفقان على أن الآخر هو عدو يجب منازلته بكل الوسائل، ولا يتورعان عن تقديم الأضحيات ليصلا لذلك الهدف، وكان الشاب العشريني حمزة، محب الرسول، هذه المرة هو الأضحية. وبين شيخ يولول في الفضائيات وهو يدعو لجز عنق حمزة حفاظاً على حوزة الدين من الضياع، وآخر يشتم ذلك الشيخ على أعمدة الصحف، لم يهتم أحد لحمزة، الإنسان، الذي كان يكتب بتلقائية ونقاء لا يلوثه أولئك. لم يهتم أحد لأمره، سجن أم لم يسجن، كل ما كان يهمهم هو الانتصار للحزب، الطائفة، العرق، والفكر. لا أحد يهتم بالإنسان هنا. كان حمزة هو شيطان الفساد عند ذلك الشيخ المتباكي، لم يكن الفساد عنده هو سرقة أموال الناس، ولا ضياع حقوقهم. لم يكن أيضاً اغتصاب الأطفال ولا ارتفاع نسبة البطالة، ولا تشبيك الأراضي، ولا سيول جدة، ولا حتى ساهر وحافز. كان ما أبكاه هو شاب يافع أراد مدح الرسول فأخطأ القول. كان ما أبكاه هو شاب يتساءل، يطرح أسئلة لا يجرؤ المؤمنون على طرحها علناً، لكنها تقتحم قلوبهم كل يوم، أراد أن يقول دلوني على الطريق الصحيح، فهناك ألف حمزة غيري. كان يستحضر حديث حبيبه المصطفى حين قال: (نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال {رب أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} ويرحم الله لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي). أحياناً، تجتاحني سيول التفكير في وضع حمزة لو كان النبي الأكرم بيننا، هل كان ليرسل أحد صحابته فيقطع عنقه كما يود المتطرفون، أم سيربت على كتفه ويغطيه ببردته، ويضع يده على صدره ويدعو له، بل أبعد من ذلك، سيجيبه على ما حار له عقله ولم تدرك مداه الظنون. بالتأكيد سيفعل وهو الذي بعث رحمة للعالمين، ولم يبعث عذاباً كما يريده المجرمون.