يعاني سكان قرى جبال الحشر في محافظة الداير، على بعد نحو 175 كيلومتراً شرقي جازان، من ظروف حياة قاسية جعلتهم يعيشون خارج التاريخ، في ظل غياب الخدمات الضرورية التي تؤمّن لهم حياة كريمة، فيما احتفظت تلك القرى بسمة الحياة الريفية البدائية، فلم تؤثر عليها ثورة التقنية والتطور، فضلاً عن صخب المدن وضوضائها، بل بقيت محافظة على ما كانت عليه قبل قرون من الزمان، عدا دخول بعض السيارات وقليل من الملبوسات. وعورة الطرق لم تمكن “الشرق” من الوصول سوى لقريتي القناة والتالبة؛ إذ تعيش بقية القرى خارج العالم، في حياة تكاد تجسد تحفة وأسطورة تراثية، تسمع عنها كل الحكايات القديمة التي يعيشها السكان هناك واقعاً ماثلاً أمام العيان. يقول المواطن جابر أسعد الحريصي “طلبت مني لجنة مكافحة القات في جازان قبل سنوات نزع شجرة القات من مزرعتي، في حين كنت أطمع في إيصال الخدمات إلى منزلي من طرق وكهرباء وماء وغيرها، فقمت فوراً باقتلاع الشجرة التي كانت مصدر رزقي، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن لم أجد شيئاً مما وعدت به. أما المواطن أسعد فرحان، الذي يعول أسرة تضم شابين مريضين، أحدهما يحتاج إلى رعاية خاصة، فشق طريقه إلى منزله بنفسه، مؤكداً أن منزله على وشك الانهيار، وأن الضمان الاجتماعي كان عبارة عن مساعدة مقطوعة لا تؤمّن له حتى سداد ديونه. والمواطن علي سالم الحريصي والد لثلاثة أطفال (روان ثلاث سنوات، ونوف خمس سنوات، وتركي 11 سنة) شاب مريض بالكلى وعاطل عن العمل، يعيش مع زوجته وأطفاله في غرفة صغيرة لا تكاد تدفع عنهم حتى المطر، ويقضي معظم وقته خارج منزله؛ لكونه لا يستطيع النظر في أعين أطفاله، حسب قوله؛ إذ يريدون منه أن يوفر لهم ما ينعم به من هم في مثل سنهم، بينما لا يكاد يملك سوى قيمة ما يؤمّن ذهابه إلى المستشفى الذي يبعد عنه عشرات الكيلومترات، عبر طرق جبلية وعرة لغسل كليتيه دورياً. من جهته، أوضح محافظ الداير، سلطان بن عبود، ل”الشرق”، أن ما تمر به بعض قرى وهجر المحافظة من حالات الفقر وضيق المعيشة، “ليست بسبب شح الموارد المالية كسبب أساسي؛ إذ إن فرع الشؤون الاجتماعية يؤدي دوراً جيداً في هذا الجانب، إلا أن بعضاً من القرى النائية تعاني حاجة ملحة لجوانب خدمية أخرى، أبرزها الطرق المعبدة التي تسهل وتيسر وصول جميع الخدمات الأخرى وكل ما يحتاجونه من مواد البناء والأثاث ومراجعة المستشفيات، كما تسهل للجهات المعنية إيصال خدماتها إلى تلك المواقع”، مضيفاً أن المساعدات من قبل الجهات الخيرية كثيراً ما تقف أمام عدم توفر الطرق الموصلة إلى المستفيدين. أحد البيوت الأسطوانية التي يسكنها أهالي الحشر (تصوير: محمد الفيفي)