عبدالله المحيميد – رئيس تحرير مجلة التدريب والتقنية الأسئلة المثارة عبر وسائل الإعلام الاجتماعي التي كانت إلى وقت قريب تحت طائلة المسكوت عنه، انتقلت نحو فضاء الإعلام التقليدي وتحديدًا الصحافة وبرامج الفضاء المرئي، وهذا الانتقال من الشعبي إلى شبه الرسمي يمثل بشارة خير للوطن ومستقبله واستقراره ونموه، فالتغاضي وتجاهل المشاكل والمعوقات وأوجه الخلل لا يعني إقناع الناس بمعالجتها وإيجاد الحلول لها، وإنما يدفع بها إلى التراكم والتعاظم ومن ثم الوصول إلى النقطة الحرجة التي لا ينفع معها علاج أو تسكين أو تهدئة، بحيث تتحول إلى عاصفة عاتية تطال آثارها ونتائجها المدمرة كل شيء، وهذا ما يجعل المواطن الصادق المحب لوطنه يستبشر وينتشي بالحديث عن المسكوت عنه من نوع القضايا والإشكالات المفصلية، عسى أن تجد لها حلولاً جادة من القادرين من أصحاب الحل والتنفيذ. من بين القضايا المطروحة في ساحات الإعلام الاجتماعي وبصورة أقل في قنوات الإعلام الرسمي، موضوع تدني وضعف وتراجع مظاهر الانتماء والولاء للوطن، لدى بعض أبناء هذا الوطن الحبيب، ومع أن هذا القول ليس نتاج دراسة مسحية علمية، إلا أن ساحات الإعلام الاجتماعي المحلي تنضح بهذه الحقيقة الصادمة، ومن العبث تجاهل أو التقليل من المطروح في أوعية هذا الإعلام، فالإعلام الجديد بأنواعه «تويتر، الفيسبوك.. وغيرها» أصبح الآن أحد أدوات قياس الرأي العام، وربما يتحول في المستقبل القريب إلى الأداة الوحيدة لقياس الرأي العام، بسبب كثرة مستخدميه وتوافر عنصر الحرية في إبداء الرأي دون ضغوط من أي نوع كانت، والواقع أن ضعف الانتماء والولاء للوطن لا يقتصر على ما يطرح في الإعلام الاجتماعي، وإنما يتجاوزه إلى مظاهر أكثر وضوحاً وأعمق دلالة، فالتواصي الذي يُبديه المواطنون في ما بينهم تجاه مصائد المرور و»ساهر» من خلال إرسال الإشارات الضوئية الدالة على وجود المرور، ليس صادراً عن رغبة في خدمة الآخرين بقدر ما هو نابع عن نقمة على جهاز المرور الرسمي الذي هو في النهاية يمثل الدولة، وبالمثل فإن تباطؤ صغار الموظفين الحكوميين مع المواطن تجاه التراخي في تطبيق الأنظمة والقوانين، باعثه التذمر من التمييز في تطبيق الأنظمة، وغياب العدالة والإخلال بالقوانين والأنظمة من القيادات العليا في القطاعات الحكومية، حتى المجال الرياضي الذي تميز طوال السنوات الماضية بفضائه الخاص، لم يسلم من هذا الأمر، فقد بدا واضحاً وفي بطولة الخليج الأخيرة أن شريحة من الإعلاميين الرياضيين السعوديين ومن خلفهم شرائح من الجماهير الرياضية، وقفوا ضد منتخب بلادهم وأبدوا الشماتة في خروجه المبكر، مدفوعين إلى ذلك من الاحتقان وعدم الرضا عن الطريقة التي يدار بها المنتخب، أو بشكل أوسع عن الطريقة التي تدار بها الرياضة في المملكة، وهكذا يمكن حشد كثير من الشواهد والمظاهر التي تؤكد تدني درجة الولاء والاعتزاز بالانتماء إلى هذا الوطن وعدم الاكتراث بقضاياه والخوف على مكتسباته، وهذا الأمر في ظاهره وبواعثه الملموسة ناتج عن الاحتقان والتذمر والشكوى من نقص وقصور الحقوق التي يتمتع بها المواطن، وكذلك من اليأس والإحباط من بطء وتيرة الإصلاح وتفشي الفساد وغياب العدالة وتراجع سلطة القانون والنظام وانعدام المشاركة في اتخاذ القرار، ومع الإقرار بوجود رغبة جادة وصادقة من القيادة العليا لمعالجة مواطن الخلل ومكامن القصور المؤثرة في حقوق المواطن ومستقبل الوطن والسعي الجاد نحو الإصلاح ومكافحة الفساد، إلا أن ترجمة هذه الرغبة على أرض الواقع ماتزال تواجه فتوراً من الأجهزة التنفيذية أو أنها تفتقر إلى الآلية الإجرائية الصارمة. وهنا لا بد من ملاحظة، أن هناك فرقاً بين مشاعر الولاء والانتماء للوطن الجغرافيا، والولاء والانتماء للوطن الأنظمة والقوانين، فالمواطنة في الدولة الحديثة تقوم على عقد بين الدولة والمواطن يتضمن الحقوق والوجبات لكل طرف.